حدود التشابه.. شواهد الانتحال الناقد محمد احمد الدسوقى
"حدود التشابه.. شواهد الانتحال ..دراسة مقارنة لرواية . السيميائى لباولو كايلهو ".
للأديب والناقد : محمد احمد الدسوقى
فن الاحاطة بالهدف
تصدير
لو أتيح للملمح أن يكون مرئيا لطائر يحلق عاليا محاذرا فى دورانه المغرور أن تصطدم رأسه المريشة بقمم الصخور ونتوءاتها لرأى الدرهيب (جبل بالصحراء الشرقية)هلالا عظيم الحجم .
من مقدمة "فساد الأمكنة "
هذا الكتاب وقفت أمامه طويلا طويلا متحيرا فيه وقد أتيت عليه فى ساعات ثم عدت فى الصباح لقراءته مجددا فما ذُكر فيه أطار النوم من عينيى لرواية باعت ملايين النسخ و ترجمت للعديد من اللغات واسُتقبل صاحبها فى كل مكان من العالم استقبالا حافلا و قد قدم الناقد الأريب محمد أحمد الدسوقى حديثه عنها بأسلوب فيه من التشويق الكثير و كذلك جمع المبررات للإقناع و إقامة الدليل على القضية التى يمثل فيها دور الإدعاء .
الانتقال من التشابه للانتحال
هذا ما فعله الكاتب والناقد والأستاذ فى مجاله / محمد الدسوقى فى كتابه الشيق و الرشيق المثير لشهية البحث والرغبة فى التحليل للتأكد من أن مصداقية ما ورد فى كتاب "حدود التشابه .. شواهد الانتحال. دراسة مقارنة لرواية . السيميائى لباولو كايلهو ".
لقد تحلى محمد الدسوقى فى هذا الكتاب بقيم الفروسية العربية حين أقدم على فتح معركة نقدية يعلم أن أطرافها شموسا ساطعة فى سماء الأدب ليس فى مصر والعالم العربى وحدهما بل أن أطراف القضية التى يطرحها هم فى نطاق عولمى لهذا انطلق فى صفحات الكتاب يضفر بين ذاته و فكره وبين قارئه، يجذبه إلى صفه بطريقة سردية لا تُشعره أنه خارج الحدث بل يجعله مشاركا له عبر تقنية الكتابة.
لم أكن قد سمعت به من قبل حتى موعد زيارته للقاهرة فى مايو 2005 ص 11
هكذا يطل على القارئ فى مفتتح الرواية النقدية بسرد ذاتى يُبدى فيه دهشته للضجة المثارة والحفاوة فوق العادة التى قوبل بها وأسرع بالحصول على الرواية التى أفرددت الصحف الأدبية مساحات التقريظ والمديح للشخص والعمل الأدبى لم يطو النوم جفن كاتبنا حتى أتى على قراءة السيميائى لباولو كايلهو ترجمة الأديب الكبير بهاء طاهر وإذا بذاكرته يطل منها شعاع يربط بين السيميائى لباولو كايلهو وراوية فساد الأمكنة لكاتب كبير راحل هو علامة فى الرواية العربية "صبرى موسى" وتتسع دائرة الاشتباه لديه فيلضم بخيط من حرير بين الثلاث كتب ثم يدفع بهم لحلبة النقد دون أن يهاب أو يتردد لأن رواية السيميائى لباولو كايلهو قد ترجمت ل 65 لغة أو باعت أكثر من 30 مليون نسخة فى 150 دولة.
لقد خاض محمد الدسوقى مغامرة تستحق منا التقدير حين أخضع ثلاث روايات و أقصوصة لقواعد الأدب المقارن ليثبت لنا أن التشابه بينها ليس إلا انتحالا وفقا لتصوره الخاص ومن خلال محاور للدراسة والروايات هى
فساد الأمكنة سلامه موسى
أنا الملك جئت (مجموعة قصصية) بهاء طاهر
السيميائى لباولو كايلهو ( روائى برازيلى )
واحة الغروب بهاء طاهر
يخبرنا ناقدنا الدسوقى فى بداية مبكرة فى الجولة الأولى بنتيجة أولية لبحثه " أربع روايات رأيتهن كالنسوة الجميلات وكأنهن شقيقات الروح والجسد رغم بعد المسافات بين أعمارهن ومع ذلك لم يمنع فى اعتقادى أنهن شبيهات كما لو كن توائما " ص17
لم يكتف كاتبنا محمد الدسوقى بالتلميح بل عمد للتصريح واتبعه بالشرح والتوضيح وأراد أن يضع اصابعنا على ما رأى أنه حقيقة كاشفة من أن الروايات التالية "لفساد الأمكنة" فى تاريخ طباعتها وظهورها ما هى إلا صورة باهته لأصل مشع " ولست أُغُالى إذا قلت أن مجموع مضمون قصة( أنا الملك جئت ) مع رواية ( واحة الغروب )للأديب بهاء طاهر معا يشكلان فى النهاية الوحدة الكاملة لفساد الأمكنة " ص62
وينفرد ب " السيميائى لباولو كايلهو" ويحكى عنه قوله أن الرواية ولدت بعد زيارة له للقاهرة عام 1987 وطوافه فى الصحراء و لقائه بشخص يدعى حسن وهو الذى أوحى له بكتابة الرواية التى صدرت فى نفس العام و يربط الدسوقى بين السيميائى و التراث العربى ويروى فى ص 22 من كتابة حكاية للتنوخى عن شخص يسكن بغداد رأى حلما يدعوه للرحيل لمصر لأن بها كنزا ينتظره فلما لبى الدعوة قبضت عليه الشرطة ظنا منهم أنه لص وأوسعوه ضربا وقبل أن يتركوه حكى له قائد الشرطة ان هاتفا أتاه فى المنام واخبره عن كنز أسفل شجرة سدر فى بغداد وهو بالضبط ملخص رواية السميائى أو هو الخيط الرابط بين البداية والنهاية فى السيميائى لباولو كايلهو.
وبعد مقارنة بين مقدمة فساد الأمكنة و السيميائى ليثبت لنا الانتحال يخرج علينا الناقد بحكمه " روايته التى تتنفس فى واقعنا وتتوغل فى عقولنا عبر سيمائية ساذجة وهشة لا أظنها إلا وثيقة الصلة برواية فساد الأمكنة" ص 23
عندما يكون النقد حكاية
يستهوينى فى أى مُؤلف أيا كان مضمونه طريقه كاتبه فى عرض محتواه، أسلوبه المتفرد فى إقناع القارئ، يصرفنى عن بعض كتب النقد الأسلوب الجاف فى صيغته واختفاء الناقد خلف النظريات كأنه يصب النص فى قالب لهذا تأتى الكتابة رصينة مع ما يشوبها من مزيج من الرتابة وعدم التشويق .
لكن ناقدنا محمد الدسوقى فى كتابه الهام "حدود التشابه .. شواهد الانتحال. دراسة مقارنة لرواية. السيميائى لباولو كايلهو ". يوظف أسلوبه القصصى ويعرض رؤيته عبر سرد متسلسل يثير حمية وتفاعل المطالع بل يحفزه بمشاركته له فى قضيته وكأنه مدع عام فى محكمة اسكتلندية أمامه مجموعة من المحلفين يعرض عليهم قضية يصر على أن يكسبها يستميل الحاضرين ويقنع القضاة عبر اسلوب سردى يتماهى فيه خط الذات مع ضمير المخاطب ويلتقى الكاتب والقارئ على أثير تبادل المواقف من خلال لغة دالة كما سنرى.
لم أكن قد سمعت به من قبل حتى موعد زيارته للقاهرة فى مايو 2005 . ص 11
وبالطبع أصابنى ما أصابنى من ذهول. ص 12
وشغلت بالبحث عن كل ما يخص الرجل من حوارات و ما يحيط به من حكايات. ص 13
جاءتني الرواية ساحر الصحراء أو السيميائى . ص 14
هنالك فى ذاكرتى رواية تشبهها وتحديدا رواية فساد الأمكنة . ص 14
ينتهى دور الذات و يتجه لجمهور المتلقين ليريهم ما يرى .
ولعل قارئى قد داخلته بعض الاثارة. ص14
هات يديك لأريك ما أرى و لك فى النهاية ما ترى. ص 21
وقد يرى القارئ أنه لا يوجد بين المقدمتين شيئا متطابقا ظاهريا وأنا أرى غير ذلك وأقرأ معى . ص 26
ويلاحظ القارئ أن الرحلة وهى تسمية غير دقيقة من الكاتب ص. 31
ولعل القارئ أدرك أن رواية السيميائى لم تحاول أن تكون فعلا ابداعيا بذاتها. ص 35
لا يمكن للقارئ أن يحدد هذه الشخصية أو يحدد ملامحها. ص 38
لا أظن أن القارئ سيخطئ وعيه حين يكتشف إلى أى مدى تشابهت الروايات وكأنها شواهد انتحال لا يجب أن يطويها النسيان. ص 53
يمكن للقارئ أن يكتشف الفروق بين الموضوع الموحد تقريبا فى الروايات وبين الموقف الأدبي. ص 72
وينتهى بناقدنا المطاف و يخاطب جمهوره بكلمة الحكماء مذكرا إياهم بجولته معهم مطالبا النقاد أن يتجاوبوا معه فى ما وصل إليه من أدلة انتحال لا شواهد .
ولهذا أقول لكم أن فساد الأمكنة دالة على فساد العقول و النفوس . ص 72
محاور الدراسة
شعرت أن الكاتب الذى يعيش فى أحد ثغور الوطن قد أحاط بالروايات الأربع متخذا استراتيجية الالتفاف حول الهدف من عدة محاور حتى لا يترك فى نفس المتلقى ولا عند المعترض على تصوره شك فى أنه وصل عبر مقدماته للنتيجة الصحيحة فنراه يطرح عناوين بحجم و خط كبير نسبيا بعد التصدير والاهداء و المقدمة .
صحراء البحث عن الذات ( وهى الأماكن التى جرت فيها أحداث الروايات)
حدود التشابه وشواهد الانتحال ( يعرض فيها المفاهيم عن معنى التشابه والمقصود بالانتحال أى السرقة الأدبية )
الافتتاحية فى الروايتين مقارنة بين السيميائى و فساد الأمكنة ( وبذل فيها الكاتب جهدا كبيرا وعقد مقارنات عبر جداول و استخدم أسلوب تحليلى للصيغ اللفظية ودلالتها فى المقدمتين)
اختلاف اللغة ( ليثبت أنها ليست عائقا فى سبيل الانتحال )
فى مسار السرد ( ليقدم الدليل على التشابه بين الروايات عبر مسار الأحداث والسرد )
الموقف الأدبى ( هنا يحيط بالنصوص وخلفياتها و نقاط التناص )
من البطل للموقف ( يقدم تشابها فى النهايات للأبطال بين فساد الأمكنة وأنا الملك جئت و واحة الغروب كما ينتقد القدرية التى تحرك بها بطل السيميائى )
كلمة أخيرة
يشكو مدراء اللرواية.اليكترونية التى تنشر نتاج الأدباء من عدم تفاعلهم فيما بينهم فالكل يريد أن ينشر دون أن يلقى ضوءا كاشفا على نتاج غيره أو دون أن يكلف نفسه عناء القراءة و التعليق . هذا ما تعرض له الكاتب الكبير والناقد المبدع محمد الدسوقى حين ألقى فى البحيرة بصخرة تعيد لها الصخب فاذا بالسكون المطبق و ابتلع الصمت رجع الصوت.
لقد أصدر الكاتب على نفقته الخاصة كتابه "حدود التشابه .. شواهد الانتحال. دراسة مقارنة لرواية . السيميائى لباولو كايلهو ". ولعله أهداه للكثيرين فى الوسط الثقافى وهو يحمل قضية صادمة فكان ينبغى أن يجد من ينبرى ليعرض لنا وجهة نظر أخرى خاصة أنه قال كلاما هاما عن ُكتاب نعتبرهم أعلام فى مجال الرواية مدعما تصوره بالتحليل الأدبى وهذا ما ذكره فى المقدمة.
" هذه رؤية نقدية قد أنجح فيها وقد لا أنجح، لكنها بالضرورة ستكون إضافة لأنها حركت الراكد وقلبت الأرض"
لقد نجح فى عرضه و أقنعني فى تحليله و لذا قدمت هذه المساهمة البسيطة ومازال الباب مفتوحا لإعادة المداولة لأن الموضوع لا يمكن أن يحسم فى جولة .
تعليقات
إرسال تعليق