دلالة العنوان فى رواية هاء، واسفار عشتار اد. عز الدين جلاوجى بقلم طارق الصاوى خلف
دلالة العنوان فى رواية " هاء، وأسفار عشتار "
للاديب والروائى أ د. عز الدين جلاوجى
بقلم طارق الصاوى خلف
تصدير
فلتكونى رفيقة دربى ومؤنسة وحشتى نهوى معا إلى دركات التحلى ونعرج معا إلى درجات التجلى ثم نكتب أسفار التيهان فى شعاب الأسئلة الحيرة و التحدى.
أ د. عز الدين جلاوجى
وقفة عند عتبة الرواية
عنوان الرواية دال على مدلول، و باب ملكى نلج منه لدهاليز النص، نستنطقه قبل أن يبوح لنا ببعض أسراره كما أنه يسمح لنا أن بتفعيل الخيال دون أن نطالع حرفا، و يثرى التوقع لما هو أت.
و لا أعتقد أن عنوان العمل الروائى يأتى عفو الخاطر أو خبطة عشواء لكنه إبداع كاشف للفكرة ولدت " هاء، و أسفار عشتار" الايحاء الأول لدى أننا أمام سيناريو من تجليات أسطورة عشتار أعد الكاتب لها القارئ من خلال الإهداء بلغة شعرية.
إليك .. ملهمتى.
يا روح قلبى والسناء
يا إشراق روحى والضياء
إنه نشيد علوى يترنم به الكاتب و يواصل لفت الانتباه إلى غايته فى النافذة التى سبقت الجزء الأول من الرواية (أ)" أسفار التيه "، "وكلما هممت أن أغامر بها على أجنحة الشوق و التوق وبوارق التمرد فى متاهات الوجود، جذبتنى حيث عش الهدوء والسكينة " ص 7
وكنت أود لو بدأ كاتبنا الجزء الثانى (ب) "أسفار المسخ " بنافذة أخرى بلغته الممتعة التى تشبه النبوءة لما سوف نستقبله من ذروة أحداث أتت عاصفة أو كما يُطلق عليه الحبكة الثانية للرواية.
يتكون عنوان الرواية من ثلاث مقاطع صوتية منفصلة فى المعنى متقاطعة فى الإيحاء و تجتمع على الدلالة نسعى لتجزئها و تجميع مضمونها مع ذكر شواهد لها من الرواية ذاتها.
الهاء "ه" الحرف السادس والعشرون من الأبجدية العربية، وهو مهموس رخْوّ مخرجه من أقصى الحلق.
حرف الهاء ضمير للغائب المذكر مثل: «سجله - أخذه - رده - حذفه - قتله»، و أيضا ضمير للغائب المؤنث مثل «أخذتها – كتبتها- قتلتها» .
و الهاء هو ضمير الغائب المتّصل الوحيد في اللغة العربيّة وهو / هى : هاء الغائب، وهذا الضّمير قد يتّصل بالأسماء وبالأفعال.
والهاء فى البداية تذكرنا بلفظة جليلة فى الذكر الحكيم " هاؤم" أى إليكم كما ذكر مفسرون لها.
وفى معجم معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا
الهاء: حرف، وها : تنبيهٌ. ومن شأن العرب إذا أرادوا تعظيم شيء أنْ يُكثِرُوا فيه من التَّنبيه والإشارة.
وفي كتاب الله: {هَا أنْتُمْ هَؤُلاَءِ}[آل عمران 66]
ويقولون: إن هاءَ: تكون تلبية للنداء: لا بَلْ يُجيبُكَ حينَ تدعُو باسمِهِ فيَقول (هاءَ) وطالَ ما لبَّى
إذن فإن هاء في العنوان قد تكون إشارة أو تنبيها لما بعدها لكن وضع "،" (فاصلة) لا يحصرنا في احتمال إنه ينبهنا أن ما سيأتى أسفار عشتار و يدحض هذا التصور وجود حرف العطف بعد فاصلة تقطع تواصل القراءة و تحيلنا لنحت اسم الإشارة هذه وكأنه يعنى (هذه، و أسفار عشتار) بيد أن هذا التبرير يبدو مجافيا للسرد في الرواية " كان البيت هو هو كما تركته من قبل أن تحل به عشتار وليس فيه أكثر مما يلتف الانتباه من رسائلنا المعلقة و لكنى لم آبه بشئ قدر رغبتى الشديدة في لقاء طفلتى المدللة " ص 147 .
لا بديل أمامنا وقد تبين أن طفلته رفيقة بحث البطل عن الحرية المطلقة وإن اختلفت معه في واقعيتها ليست بعشتار التى حلت به و بهذا نعيد تكوين العنوان فالهاء ضمير " هى، و أسفار عشتار"
أسفار: جمع سفر. في معجم المعانى السفر: هو الكتاب الكبير وأسفار موسى : الأجزاء الخمسة الأولى من التوراة .
وفى معجم معجم مقاييسُ اللّغة السَّفْر: الكتابة و السفَرَة: الكَتبة، وسُمّي بذلك لأنَّ الكتابة تُسفِرُ عما يُحتاج إليه من الشيء المكتوب.
والأسفار في الرواية توجد مذكورة كعناوين لقسميها ( أسفار التيه – أسفار المسخ)وإذا كان السفر هو الكتابة فإن رسائلها الأحد عشر إلى حبيبها السجين هى أسفارها المكتوبة بلغة راقية موغلة في الحميمية و الهامسة غالبا "أيها القمر الموغل في عليائه، المشرق ببهائه ، هلا توا ضعت وتنازلت إلى أحدثك حديث قلبى العاشق " ص 107 ، "مالك أيها الحبيب لا تشرق على قلبى و قد انتظرتك على عتبات أحلامى " ص 109
إلى أن نصل للرسالة الأخيرة بعد حصولها على شهادة اكمال الدراسة لكن فرحتها لا تكتمل إلا بحضوره "سأكفكف اللحظة دمعى، وأنسى ما حصلت عليه، سأوجل كل فرح حتى نلتقى" ص 112.
عشتار هي رمز الحب والجمال و الخصوبة و الحرب، والتضحية عند حضارات بلاد الرافدين فهي إنانا لدى السومريين، عشتروت عند الفينيقيين، أفروديت في اليونان القديمة، فينوس عند الرومان.
أطلق عليها السومريون اسم ملكة الجنة، وكان معبدها يقع في مدينة الوركاء، (ملك الوركاء تموز حبيبها و الذى اقترن اسمها فى الأسطورة باسمه) وهي نجمة الصباح والمساء، يرمز لها بنجمة ذات ثماني أشعة منتصبة على ظهر أسد - يقال أنه يرمز لتموز- على جبهتها الزهرة، وبيدها باقة ورد.
" وامتدت الأنثى وقد تبرحت عن فتنة لا تقاوم ممتدة كأنها الحلم الفجرى، هيفاء، دعجاء، أملودية الجيد والساقين" ص 117 (الأملود : هو الناعم، الريان، اللين من الأغصان)
توقعت أثناء خوضى لجة بحر العنوان أن أجد عشتار فى الرواية معادل موضوعى لقصة حب و خيانة لكن التصورات الأولى تهاوت مع وصول مركبى لـ (أسفار المسخ) لنسبح فى التاريخ و تتجسد الأسطورة و ترفع عشتار برقع الطفلة التى أشار لها بحرف (هاء) و التى ظلت مضمرة فى ( أسفار التيه) لنكتشف حقيقتها ويصدق العنوان ببيانه عن المحتوى.
هاء، و أسفار عشتار
طارق الصاوى خلف
تعليقات
إرسال تعليق