Iديوان سد الرمق

 قراءة فى ديوان "سد الرمق "

للشاعر / خضر اسماعيل 

بقلم/ طارق الصاوى خلف

تصدير 

 تمتزج فى النفس الأضداد و تتصارع الآمال و الآلام، و تنفرد روح الشاعر  المحبة للحياة  بقدرتها على مواجهة المحن بثبات تنفعل معها و تتفاعل فيأتى الشعر صادقا معبرا عن مكنونات النفس وخلجات الروح . 

الديوان والتعبير عن الذات 

لمن نكتب ؟!  هذا هو السؤال الوجودى الذى يطرح اشكالية الشعر خاصة و الادب عموما فقد كان و لازال الشاعر هو صوت مجتمعه ونبض من حوله و فى مقابل التوجه الاجتماعى للأدب فأن التعبير عن الذات شرط لصدق التجربة كما أنه يعطى الادب رونقا و روحا مقتبسه من أنفاس الناظم  وقد بدا  ديوان " سد الرمق" منذ البداية عبر  إهداء مؤثر للديوان  للأم الراحلة الباقية فيما غرسته فيه من قيم و للأب الذى أفرد له قصيدة عنوانها دال على ذاتية شديدة ونفى لأى مشاركة له مع غيره "أبويا أسماعيل" كما أنه اختص السيدة الفاضلة زوجته الحانية بقصيدة " نوسة اللذيذة" بل  هى أغنية راقية إضافة للإهداء  لمن وقف معه فى محنته كتب لهم كلاما رقيقا 

" للذين اخذوا بيدى بعد المحنة ليخرجونى من عتمة الظلمات الى نور الابداع بعد ان فقدت الامل فى الكتابة فكان ثمرة جهدهم هذا الديوان"

تطرح علينا مقدمة الديوان صور بلاغية مأخوذة  من الذكر الحكيم  فى خروجه من ظلمات ظروفه لنور الابداع الذى اعطاه أملا و منحنا فرصة لنستعيد شاعرا رقيقا له أسلوبه فى  بناء قصيدته.

لقد قمت بجولة بعد جولة  فى الديوان عبر قصائده الست عشرة لأرصد الظواهر الفنية فى إضاءة أولية عليه  و استوقفتنى عناوين القصائد التى تظهر فيها الأنا/ الذات  واضحة كأنه يبلغنا الرسالة  بصراحته المعهودة  أن شعره ذاته و قصيدته حياته ، كلماتها نبضاته، والحالة الشعورية هى ما يحس به لحظة كتابتها ومن ثم علينا أن نشير ولا ندخل فى التحليل  للمحتوى لنستخرج دلالات عن ما يقال أنه المعنى الذى فى بطن الشاعر، توجه العناوين المباشرة  القارئ أنها تخص الذات منها قصائد :

         ( قلمى – أنا وست الحزن – نوسه اللذيذة - أبويا اسماعيل – انا و أنت اصحاب – عزاء واجب)

أما بقية العشرة فهى حوار بين الذات والآخر كما فى  قصائده ( أميرة الحواديت – توته – السنيورة -  ازار سكر -عشرة عمر – صرخة )

ومن الظواهر اللافتة فى التوجه نحو استبطان مشاعر واستخراج مكنوناته   استخدامه الضمائر المتصلة على سبيل المثال  فى قصيدة "توته" إضافة الفعل إلى  ذاته لتأكيد الخصوصية وأنه دون غيره المتكلم والمخاطب، الفاعل  الذى يقع عليه الفعل فيولد من مشاعر  مختلطة  للوجدان لتأتى الافعال كالتالى 

 ( تعاهدينى – تصرحينى  - غدربي – غرقنى – تقولى – سيبنى - وراح منى – أغنى  )

كما أن الضمير " أنا " أكثر الشاعر من استخدامه مضيفا بعدا آخرا لإبداعه الصادر عن الذات من خلال تيار الوعى بما يريد أن يوصله لقارئه كما أنه مؤشر على الاعتزاز بماهيته رغم الجراح والآهات 

انا المجنى وانا الجاني ص 26


ولأن الشاعر اداته القلم  يخاطبه بكل تبجيل  نتيجة  ثقافته الأزهرية حيث أقسم الله بالقلم وما يسطر به كرام الكاتبين 

انت المعلم وأنا

وأنا كلى خدامك ص 18

يؤكد على  خصوصيته المتفرده  من خلال تكرار الضمير لمرتين في نفس السطر 

م انا اصلى عاشق انا

كما أنه يعبر عن حاله في اعتزاز بالمرحلة العمرية التى وصل إليها 

وانا راجل كبير فى السن ص 21

يعرف إمكاناته ويقر بقدراته ولا يمنعه ذلك من الشعور بنبض قلبه 

وانا راجل منش فارس

ولا عندى حصان ابيض 22

يمزج الود بالقدرة على التحكم بالذات و صد أى محاولة لاستغلال مشاعره 

انا ف الود بتسامح

لكن عند اللزوم أقدر ص 34 

 

 تلازمه الأنا حتى عندما يتطرق للشأن العام في قصيدة "سد الرمق" التى كتبها في العشرية الأولى من هذا القرن وقد كان في أوج توهجه الشعرى .

تقدر ترجعلي انا

اللي اتسرق ص 52

تدرك الأنا وجود الآخر بل أنها تحدد من خلال ضمائر المخاطب طبيعة العلاقة مع الاحتفاظ بالاستقلال لكل منهما دون أن  يستخدم ضمير الجمع نحن   

انا وانت بقينا اتنين أصحاب ص 57

و هو يؤكد على المعنى السابق في مواضع لاحقة 

انا من زمان ب اسألك

خليك لطيف ص 74

كما أنه يعطينا بعضا من خصاله ويأمل من الاخرين أن يحذو حذوه  

بسيط انا

واملى تبقى بسيط ص 74

أنه أيضا ينتسب لفرع عريق خرجت منه ذاته و يشعر بما يدور في جوفها من مشاعر 

أمى صحيح بتحبنى

انا منها انا فرعها ص 75

حتى مع امتداده الطبيعى في الحياة لا تمتزج الذوات ليبقى الفصل قائما بل إنه في إطار الأبوة يتفاعل 

انا بأمرك يا ولد ص 79

ومن قمة الفخر إلى وهدة الألم تبقى الأنا تعبر عن حالها و تتعالى على معاناتها  وتقاوم حتى لا يشمت عزالها كما أنه يتخذها في قصيدة "صرخه" لازمة وقفلة  و أداة للسخرية و المفارقة تمهيدا لانتفاله من دفقة  لأخرى في القصيدة

رغم الوحدة لسه انا بضحك

ايوة انا بضحك ص 91

تريد الأنا أن تعيش بسلام وان تشعر بالأمان وان تجدل علاقة مع من هم خارجها على صلة الرحم 

ما انا وانت اخوات

اخوات فى الدنيا ص 93

لأن المسألة بالنسبة له بسيطة محكومة بطرفى خيط ونهاية محتومة

المسأله حدين وفاصل م الالم

بين انى اكون

او انى اموت. ص 54

 

تجليات المعاناة فى الديوان 

عنوان الديوان يطرح جانبا مهما من المواجع الانسانية للنفوس البسيطة التى لا تنشد سوى " سد الرمق" أى ما يعين على البقاء فى  الحياة بأقل المتطلبات للعيش السوى وهو هنا لا يعنى  الماديات بل هو شغوف بمتطلبات الروح والعاطفة لهذا يتذكر والديه و يخص كل منهما بقصيدة إنه  يهدهد  بالشعر روحه و يفتح بابا لبوحه موضحا أن  الألم يأتى بغته فى صورة مؤثرة للأحلام الكبيرة التى ترتطم بها صخرة الواقع

وفجأة أفوق على طوبه

تكسر كل أحلامي ص 12

 ومن صور التعاطى مع الألم الشائعة فى الميثولوجيا الشعبية هى مخاطبة الانسان  حواسه، يطالبها بالصبر والتجلد 

يا عينى لا تبكى مهما الولاد قسيو

ومتزعليش م الحبايب لو بعدوا او نسيوا

كما أن الألم الذى ينزل على الذات من الآخر يكون شديد الوطأة ممزوجا باللامبالاة  

وتضحك واسمع الضحكة

ساطور نازل على المدبح ص33

إن من يفعل ذلك ليس انسانا بل هو حصان جامح لا يتصرف بود مع صاحبه 

بترفس كل أحلامك ص 34

ومن  صور الألم العجز عن نوال ما نتمنى 

أشب أقدر اطولها

ولا ده حلم بعيد ص 6

والألم في الديوان يزاوج بين الحسى والمعنوى 

فى ايدى يا دوب عكازى

بيه امشى واتحرك ص 23

كما أن أقسى شئ أن يتخيل المرء حوارا مع عزيز له كما في قصيدة "عزاء واجب " حين يأبى الأبن أن يحضر جنارة والده 

فيجيبه على لسان الروح 

ولا حاضر عزاك

مين اللى قال لك إنها عايزاك

الروح لما تطلع لخالقها

لا يهمها إنت ولا شايفاك ص 67 

كل ذلك لأن الانسان يصل لنهاية مفتوحة على كل الاحتمالات 

ما حد عارف حكايته

ولا حد عارف بدايته

ولا حد عارف نهايته

ولا فين طريق النجاة  ص 68

ليصل الشاعر معنا لليقين الذى نسلم به جميعا وهو ما يخفف الشعور لدى الأنا  بتوابع الحرمان 

ما هى دنيا فانية ما لناش فيها حاجة الا الايمان والدين ص 83


الغنائية والغزل فى " سد الرمق "

الفارق الزمنى بين ديوان شاعرنا الأول " نايات للزينة مش للعزف " وديوانه الذى تحت أعيننا الان هو عقدين كاملين من الزمان ومن ثم نجد هناك تغيرا فى الحالة المزاجية للشاعر  بين قصائد الديوان.

 وكما سبق وتعودنا مع إبداعه  أن بناء القصيدة لديه يعتمد على الموسيقا الناتجة من اختيار المفردة و تركيبها مع الصورة ومراعاة  الوزن ولهذا نجد خياله منطلقا حين يكتب فى الوجدانيات ويشجينا بالغنائية العالية فى سطوره المتتالية  .

توعدني دايما يا قلبي

وتخلف المواعيد

بنوته حلم وحقيقة

أميرة الحواديت ص6 

ولنرى هذه المقولة التى ينسج فيها صورة يرفع بها السنيورة إلى أعلى مقامات الجمال 

بقولك إيه يا سنيورة

شغلت القلب والاحساس

جمالك أصل مش صورة

جمالك فوق طبيعة الناس ص 14


و يواصل غزله الوصفى مازجا مشاعره بدلالها 

 وضحكة يا وعدى اه منها

تدوبنى وادوب فيها

وقعت خلاص ص14 

وما عسانا نقول تعليقا على هذا السطر التى يوحى لنا بالكثير 

شفيفك خمره من غير كاس ص 17 


وحين يوجه مشاعره تجاه شريكة حياته يلجاء للأوصاف الحسية 

يا روحى وحبيبتى

يا نوسة اللذيذة

يا حتة كنافة

 يا حتة بغاشة ص 28

و يعبر عن الامتنان لها وأنها النصف المكمل له 

صوتك فى ودنى

دليلى فى طريقى

ما هو اللى ليه ص 28

 ايضا نجد الغنائية في قصيدة أنا وانت اصحاب 

م أعرفشى  أنام غير على صوتك

ولا حتى أقوم

وإن غبت تغيب عنى الدنيا

وساعتها أتوه ص 57

انها الصداقة التى تطلق المشاعر و تجبر كسر النفس وتجعل من الاثنان كالبنيان يشد بعضه بعضا.

لو غبت تغيب عنى الدنيا

وساعتها أتوه

بإيدك بتقوى إيديه

وعيونك بتنوَر ليَه ص 58


لقد استرد هذا الديوان للأدب فى جنوب سيناء  و مصر شاعرا طالما التهبت له الاكف بالتصفيق فى الامسيات الشعرية التى كنا نعقدها فى المحافظة وتحضرها  الجماهير خاصة  فى المسرح الصيفى بطور سيناء  ونقابة المعلمين .

 وقد انتخبه الادباء اخيرا  رئيسا لنادى الادب المركزى بطور  سيناء تكريما لعطائه وانتظارا  منه للمزيد  والجديد بعد ديوان "سد الرمق " الذى طبعه الشاعر على نفقته الخاصة نتمنى له أن يكون  من درر الانتاج الادبى  و يبدو أنه طبعه على عجل لهذا لن يلتفت  القارئ لبعض الهنات فى رسم الكلمات بالديوان الذى سيساهم  فى  تنشيط الحركة الأدبية بالاقليم  بما سيدور حوله من نقاشات وحوارات وتفاعل. 

طارق الصاوى خلف                                                                                                 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏