الشعر عزائى و نجواى

الشاعر الكبير الشيخ / سلام مدخل سليمان

 امتراج  الشعر بالثقافة

طارق الصاوى خلف 



 تصدير 

امتزجت فى وجدانه الثقافات و توحدت فى فكره الخلفيات و وضعنا ديوانه أمام شاعر من حقه علينا أن نسكب الضياء على تجربته المتفردة .

عن الديوان و الشاعر 

الشاعر و المثقف و السياسى ابن الأرض الطيبة وسليل قبيلة عريقة من قبائل جنوب سيناء خدم أثناء فترة تجنيده كضابط فى الجيش المصرى و انتخب لأكثر من دورة لعضوية مجلس الشعب و فى المجال التنفيذى عمل رئيسا لمجلس مدينة أبوزنيمة .

قضى طفولته فى وديان سيناء و هاجر مع اسرته إلى السويس و انتقل للقاهرة للدراسة ، فيها تفتح وعيه و استغل وجوده فى مدينة الأضواء لينهل من موارد الثقافة فلم يدع إصدار ا ثقافيا إلا وسعى لمطالعته حباه الله بذاكرة حافظة عندما تناقشه فى أمر يتذكر على الفور الكاتب الذى أثرى ذهنه فى الموضوع، شارك فى الحركة الثقافية من خلال نشر بعض القصائد فيما اتيح له من هامش أو من خلال الروابط الأدبية فى السويس .

جمع كما يقولون بين ثقافة المتن والهامش فهو بحكم نشأته عرف التراث البدوى وحفظ من مجالسة الكبار فى قبيلته الأشعار والامثال والعادات و قال الشعر النبطى بالسليقة و كتب الشعر العربى الموزون المقفى بالثقافة المكتسبة وكلاهما شعر غنائى .

ذكرنى أسلوبه بالشروط المعرفية التى وضعها صاحب كتاب بأدب الكاتب حيث يجب على امن يكتشف القلم أن يلم بأيام العرب و الامثال و يحفظ المعلقات و المنصفات و قضايا اللغة و ما تركه الاصمعى من حكايات الأعراب و أظن أن شاعرنا الكبير قد جمع هذه المناقب وأضاف عليها من الثقافة المعاصرة . إضافة المترجم من الثقافة الأجنبية 

نحن أمام شاعر لديه الحنين القديم للخيمة والديوان و الحب العذرى و الوقوف على الاطلال و الفخر بالذات يعرف موازين الشعر وبحوره و موسيقاه وتوليد المعانى والصور وفى نفس الوقت لا يجافى العصر له ديوان من الشعر النبطى ينتظر دوره فى الطبع وهذا الديوان الذى اسماه "الشعرعزائى ونجواى " 

الشعر عزائى

أقرأه أسمعه أكتبه

لا شيء يعزينى سوى الشعر

من نعم الله على الإنسان أن يمنحه ملكة ان يخرج ما فى صدره، و ليس كالشعر من أداة للتواصل مع الذات و استخراج مكنونات الفؤاد و الذكريات ومن ثم صياغتها لحنا شجيا نديا يتغنى به .

وهل يخلد فى تاريخ الشعر

غير قصائد أنات العشاق 

فالشعر عزاء للعشاق إذ يبقى دفء الحب ساكنا فى حجرات القلب على الرغم من البعد والفراق والترحال أو الانتجاع كما يقال فى البادية

فننسى كل ما كان

فل تعتب ولا أعتب

ويالا سحر عينيها

فشعرى منهما أكتب ص 25

ويتضح تأثير الثقافة الموسوعية لشيخ أدباء جنوب سيناء على ابداعه الأدبى فى تنوع قصائده من حيث الغرض نلمح تأثره بتيار نزار قبانى فى قصيدة " أتنكرنى ؟ وفى نفس الوقت لا يمكننا تجاهل التوجه الصوفى فى قصيدته العودة إلى الخلوة كما أنه نجد التنوع فى المدارس الفنية فى الديوان رغم الحصة الاوفر لقصائد الشعر التقليدى بجناحيه الموزون /المقفى و شعر التفعيلة نجد حظا للشعر الحر / مثل قصيدة " أكتبى لى " و " لك منى السلام” و " الوحش " 

ولا إجابات مقنعة

فيلتقم

ويضيع الناس

فى غيابات السقم ص 47

ونجده فى قصيدة " ظنون " يحشد عشاقا من صفحات الماضى حملتهم ظنونهم حين أهلكتهم مثل ( قيس – عطيل وديدمونه - ديك الجن قاتل زوجته ) إضافة للإحالات الكثيرة على التاريخ فى قصائده الثلاث والخمسين التى تمثل اجمالى مختاراته من رحلته فى فلك الشعر ليحتويها الديون .

وملمح أخير مزج أو طعم شاعرنا المبدع قصائده بأبيات شعر من مطالعاته وربط بينها وبين أفكاره مثل قصيدة الشعر "عزائى ونجواى" و قصيدة "قصتى معها. ،، عزف منفرد على معلقة الأعشى ، ،


" ودع هريرة إن الركب مرتحل 

وهل تطيق وداعا أيها الرجل ،،

ترحل هريرة وقت ما شاءت ص 37

لأ أظن أنه اراد معارضتها كما فعل شعراء اخرين بل استلهم مفتتحها والدليل أنه ختمها ببيت للشاعر الجاهلى مالك بن زيد مناة.

أوردها سعد وسعد مشتمل يا سعد ما هكذا تورد الأبل 

قصائد الديوان بين العزاء والنجوى 

لا اعرف لماذا استدعت ام هانى أول قصيدة فى الديوان ام أوفى ذات الصيت فى معلقة زهير ابن أبى سلمى كأنه يبدأ بالتسبب ويقف على اطلال ذكرى " فرقت بينهما الأيام ومرت سنوات وسنوات ثم اهتدت إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعى وبعد تردد استجمعت أمرها وهاتفته فكانت هذه القصيدة " ص ٥

إنها قصيدة أم هانى  


 فى هدأة الليل صوت عبر الأثير أتانى

فاستيقظت ذكرياتى واعتادنى تحنانى ص5 

أنه قرين هاتف كان يأتى للمحبين قديما فيوقظهم ويسهد ليلهم ويبعث الوجد فى صدورهم عزاءا وتسلية طط

وتنهدت ثم قالت والآن كيف ترانى

أراك بعين خيالى. . الجيد والمقلتان ص5

هذه النجوى أو الحديث همسا بين المحبين تذكرنى ببيت من الشعر العربى القديم 

يا عذبة الشفتين لا تتعرضى عند الفراق بمقلتين وجيد 

إنه الغزل العفيف يتوقف عند الظاهر و لا يتجاوزه و شاعرنا هو نقطة وصل وامتداد لهذا النهج خاصة فى نهاية القصيدة يرجوها أن تكون الصلة بينهما مجرد حديث 

لا تحرمينى همسا عبر الأثير ثوا ن

و بالفعل فهو في قصيدة اخرى بالديوان عنوانها أطلت الغياب ،، أم هانى ٢ يستعيد عادة للشعراء العرب كانوا إذا ألقوا قصيدة استبقوها بتقديم أو خطبة "جمعتهما الأيام بعد سنوات من الإغتراب ، ولكن مالبثا أن تباعدا ولم يبق له إلا القصيد يبثه أشواقه"

أطلت الغياب يا أم هانى

أما كنا اتفقنا

أن نبق شيئا بيننا ص 33

ويواصل شاعرنا نجواه لنفسه  

أحق ا تحبينه الأشيب السبعينى

سألن صويحباتى وقلن يالا جنونى

فقلت لهن مهلا أعيونكن عيونى ص 8

ويبدو أن الأسئلة التى تبحث عن الأجوبة هى تيمة متكررة في عدد من القصائد في ثنائية ( عزائى / ونجواى )( أسئلة / أجوبة ) وهنا ندرك خطأ مطبعى نضعه بين قوسين و نضيف ما يسير مع نهج الديوان في الصوت الغنائى  

سألتك باسم هواى إقربى 

وخلى العتاب (فل تعتبر) فلا تعتبى 

وهاتى يديك تناجى يدى

ونامى على صدرى المتعب ص 13

من مفردات تعبير حفظناها من أساتذة اللغة العربية " الذكرى قاموس يدق فى عالم النسيان" و الشاعر يهمس فى ضمير الحبيبة 

ألا فاذكرينى إذا لاح بر ق

بعرض السماء يفض الدياجر

ألا فا ذكرينى إذا ما سهر ت

ووجه السماء نجوم سواهر ص14

يتجلى عشق العربى لسماء يهتدى بنجومها و يسمر الليل فى وحدته و ونته( تعبير عن حالة الشاعر فى الشعر النبطى ) ليخاطبها ويرسل عبرها رسائله لمن هجرته  

أطيع الهوى فيك أم كبريائي ؟

وفى الصدر مازال جرح التنائى

غضبت وغبت وما غاب عنى

خيال صبوح به الرواء ص 20

و يستمر مع الطبيعة يستمد منها الخيالات والصور  

وتدنو إلينا نجوم السماء

وتدع و الفراشات أسرابه ا

وتغف و على ساعدى ساعة

فما خنت والحسن يغرى بها ص 21

يستخدم الشاعر المقابلة بين الجمل لينقل عبرها مشاعره المتأججة 

تغيبين فجأة

وأظل مصلوبا إلى جذع إنتظارك

تجيئين فجأة

وأظل منتظر ا مفاجأة إرتحالك ص42

لقد اقتنع بعض البشر بكروية الأرض على مضض وشاعرنا يؤمن بهذه النظرية لكنه رغم دوران الأرض لا يتصور أن تكون حبيبته لغيره 

آمنت أن الأرض كروية

وأن كل ما فى الكون دائر

لكن لم أومن ولا مرة

أن تكونى لواح د آخر ص 22

سيناء في ديوان عاشق 

للثقافة السيناوية أثرها في شعر لا يخفى على قارئ الديوان من خلال كلمات تجد مكانها في قصائده ولها مدلولها في معجم البادية أما مشاعر ابن غائب عن مسقط أثناء الاحتلال الاخير فقد خصها بعنوان مستقل لمجموعة من القصائد "أغاني الصمود والعودة " 

فى قصيدته " درب الإياب " يصر على العودة ويثق في أنها قريبة 

فلست مستطيعا /رغم دورة الزمان/ أن أبدل البلاد بالبلاد

فمذ خرجت تائها وضائعا/واعدتنى الشمس فى درب الإياب ص 59

إنها حتمية التاريخ فأهلها رغم الجرح و التشريد في " صمود " وأمل وتحدى و من ركام الموت والاشلاء يأتى الفجر بوعد النصر 

فكنت من رماد الموت الأشلاء

أيقونة الصمود

 وأبجدية الفداء ص 60

فهو من الأرض و الأرض منه لا ينفصلان

 يأخذوا العمر و لا يقربوها 

هذه رسالة جميع أبنائها الصامدين "إلى سيناء "

خذوا العمر منى ولا تغصبوها

هذه الأرض أرضى آلا فاسألوها

سماتى عليها ولن تطمسوها

فأنا منها وأنا إليها

أعود أعود ولن تأخذوها. ص 61

ولم تخلف مصر وعدها و لم يهدأ أبناءها المخلصين ولم ينم لجيشها جفن أو طاب لقادتها عيش حتى استردت الأرض المقدسة حريتها و وقف الشاعر عضو مجلس الشعب وقتها فى مدينة طابا أمام القيادة السياسية لمصر ليقول قصيدته ويسجل بشعره فرحة أهل سيناء ومصر ب " عودة طابا " فى اليوم الذى صار عيدا لمحافظة جنوب سيناء 19/3/1989 

فى عيد عودتها اشدو باشعارى

الحب يلهمنى والشوق اوتارى

ها أنت قد عدت يا زهرة الغارِ

ها انت يا طابا يا كوكبى السارى ص 62

هذه الغنائية التى تناسب العيد والفرحة الكبيرة بعودة أخر ذرة رمل لحضن الوطن وبعد التحرير والتعمير و المشاور الطويل يلتفت الشاعر لذكرياته و يقتفى نهج شعراء البادية الذين ينظمون شعرهم فى وصف البيئة التى يعيشون فيها يتوقف الشاعر عند "شجرة السيال " التى يصفها لمن لا يعلم بها "ينتشر فى أودية سيناء شجر السيال ، صديق الرعاة والمرتحلين ظلهم ومقيلهم ، من أوراقه وأغصانهم تتغذى شياههم وابلهم ومنه حطب نارهم ص 63 

يا سيال الوادي رأيتُ فيك بلادي

شبابة الراعي وربابة الشادي

يعتادنى شوق والذكريات تنادى

لظلك الظليل واحة المرتادِ ص 63

بهذا الوصف لشجرة مباركة فى أرضنا التى مر عليها الانبياء نختتم جولتنا مع شاعرنا الكبير الباحث فى التراث السيناوى الأستاذ / سلام مدخل سليمان وديوانه الشعر عزائى و نجواى الذى اصدره على نفقته الخاصة فى اكتوبر 2020 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏