رواية ٨٦ ساعة الروائى هانى الاسمر قراءة طارق الصاوى

 86 ساعة

الرواية الأولى للصحفى هانى الاسمر

                                                                       طارق الصاوى خلف

تصدير: 

ينبع الأدب من الواقع و يستمد مادته منه ثم  يصغها الفنان صياغة فنية محركة للوعي و الوجدان ومساعدة على التطور والتقدم.

  86 ساعة زمن الرواية  


 اختار الاديب هانى الاسمر فى أول رواية له ان يكون هو الراوى باسمه ومهنته و أن يناقش بطله مستخدما ثنائية المستمع و شاهد العيان أو الراوى المشارك حيث تمر أحداث الرواية عبر  صوتين متشاركين يعملان على خط متجانس لإتمام الحبكة القصصية عبر تقنية  السرد الزمنى المتسلسل و من خلال الاسترجاع الزمنى المتسلسل للبطل .

 و حالف المؤلف التوفيق فى اختيار عنوان  أضفى على الموضوع و المضمون غموضا يثير شهية القارئ كما أنه فتح أبواب التوقعات بشأن هذه الساعات وما دار فيها من مغامرات لأبطال رواية  يغوصون  جميعا فى بركة آسنة  من الفشل فى حياتهم الأسرية بينما يبقى الراوى المشارك محتفظا بحالة الاستقرار.

اندفع  البطل  تحت ضغط أزمته ليُلح  على لقاء مع الكاتب الصحفى لبسط  معاناته، على  الطرف الآخر  بحاسة الصحفي و رغبته فى الحصول على سبق  أو قضية رأى عام بادر  باستقبال  هادى الشخص الثرى و المتقلب فى جمر ألمه وسرعان ما عرض عليه مأساته بعد أن حولت قرينته  فرحه لمأتما وخلقت من عشقه بها جرحا دائما رغم أنه ارتبط بها معاندا نصيحة  أسرته التى نظرت للفارق الاجتماعى لكن البطل باندفاع الشباب وتحت نشوة الحب وسحره قفز على العوائق و تزوجا لتنفجر فى وجهه التناقضات عبر صفحات الرواية تتحول من رأى فيها ملاكا إلى وجه لا يعرفه تستنزف عبر ابتزاز مشاعره أمواله و تنغص حياته بافتعال المشكلات و رغم انصياعه لرغباتها و تجنبه لإغضابها حفاظا على استقرار أسرته على حساب اعصابه إلا أنها تطلب الطلاق و تصر عليه غير عابئة بمصير  أبناء صغار بعد تفرقهما متناسية  علامة الاستفهام  الكبيرة على مستقبلهم ! .

لا يتوقف شلال الأحداث فى الرواية  عند هذا الشط  بل يجوس البطل  فى مغامرة جديدة  و يعيد الحكاية من جهة أخرى ليحدث توازنا بين الجنسين فى المظلومية فبينما يتنسم هادى  هواء العصارى يجد امرأة تحاول الانتحار لتتخلص من حياتها وكأنها لم تسمع بمقولة  المنفلوطى حين أقدمت على إزهاق روحها و

 "لم تدر أن ألم النزع أقسى من الوجع و  الجزع من مصائب الحياة"

 لكن حظها السعيد وضع "هادى " فى مقابلها لينقذها بل يتواصل إنسانيا معها، يفتح صدره لها و ينصت لشكواها من زوجها الذى لا يريد إطلاق سراحها و تطليقها و يمتعنا البطل بجولات صراعه مع زوج كوثر الماكر الذى يطلب أموالا مقابل فراقها لكنه يحصل على المال و يفر به للخارج فيستدرجه هادى للعودة بحيلة ذكية يلتف عليها المخادع و يكسب الجولة الثانية أيضا  ولا يحقق رغبة زوجته و صديقها هادى فى تسريحها مقابل مال استحله  و فى النهاية يستغل هادى عشقه للنقود  و يحيك له مكيدة محكمة  فلا يقدر على الفكاك منها ليُجبر   على طلاق  كوثر وتنقلب الصورة  فيصير الضحية فى النهاية  جانى و المذنب المدان مغدور به .

بناء شخصيات الرواية:-  

لكل شخصية مظهر خارجى وملامح داخليه نستشفها من خلال تفاعلها من المواقف  وحرص الكاتب على رسم  الشخصيات من خلال  وضعها الاجتماعى وقدراتها المادية  

هادى :مليونير ندرك حقيقته من وصف الراوى لأسلوب حياته فنراه يركب سيارة فارهة – يقطن فيلا بها حمام سباحة –  خدما يقدمون له ولضيفه أنواعا غالية من الطعام  تضع هذه الصورة للبطل القارئ فى ظل تساؤل محير كيف تهجر هيفاء كل هذا الثراء؟!  محدثة التغير فى شخص  هادى الذى يدعى الطيبة و يتعامل بالمنطق ويتخفى خلف تدين ظاهرى و شكلى لا يمنعه عن تقبيل فتاته والسهر معها لمطلع الفجر كما أنه تحت الضغط النفسى لزوجته يغير مبادئه و يتنازل عن استقلاله المالى و  يقبل هبة من أبيه المليونير و يستغل ثروة لم يشق فى تجميعها ليعيش حياة باذخة  ومع عدم قدرته على تحمل منغصات الحياة ونكد الزوجة  يلجأ للمخدرات لينسى همه و ادركه والده وقام بعرضه  طبيب ليعالجه من الادمان ص 93 

و فى ظل التحولات تتغير شخصيته المسالمة لنجد الانسان المجامل اللطيف ينصب الفخاخ لغريمه لإطلاق العصفور الحبيس من قفص زوج عربيد ربما أراد أن  ينتقم من عجزه فى ماضيه فى ادارك واع من الكاتب لمفهوم الشخصية المتنامية فى السرد التى تنهى دورها بطولة مختلفة عن البداية استجابة للضغوط والخبرات وتفاعلا مع ديناميكية  الاحداث والمثيرات .

هيفاء :  فى اسمها ايحاء للقارئ لعله يجد نفسه أمام هيفاء وهبى بقدها و جمالها و نعومة صوتها وبالفعل يراها البطل  كذلك فهى تأسره،  تختطف قلبه من أول لقاء تجعله يدور فى فلكها يغفر لها ما يراه بعيدا عن فتاة احلامه  وهو يقدم شخصية فيها عمق نفسى ولديها  أزمة داخلية تبرر التغير فى سلوكها طبقا لمتطلباتها المادية فهى ناعمة حالمة متساهلة فى فترة الخطوبة رغم تمردها على أوامر الخطيب لتفرض عليه فى ليلة العمر العاصفة أن تجلس تحت المطر فينفذ دون تردد مشيئتها تذبح له كما يقول المثل القطة من البداية وتتحول الى الحاكمة بأمرها فى بيت الزوجية تطلب الشقة فى حين يريد زوجها الفيلا  و ليبدأ الشقاق و يتطور الخلاف مع اصرارها على نيل الاعتراف بأرصدته أو كتابة الاصول باسمها و رغم خضوعه لإملائها وانصياعه لرغبتها  واصلت ركوب صهوة غضبها حتى طلبت الطلاق موصده  كل  سبيل سلكه هادى للصلح حفاظا على مستقبل الابناء قائلة لمن طلب منها التريث فى الجلسة العرفية التى عقدت للصلح :  حرام عليكم انتو كده هتموتونى  .

وحتى عندما يتعرض زوجها للموت فى حادثة سيارة فان رد فعلها البارد يتوافق تماما مع حالة النفور التام من زوجها واصرارها على الفراق .


كوثر : المعادل الموضوعى للزوجة المتمردة فهى مطيعة لبعلها خاضعة له متحملة لخياناته حتى فاض كيل تصبرها لتحاول الانتحار للخلاص من زواجها و هى تفوق طليقته جمالا مما استدعى اندهاشه وهى شخصية ضعيفة هشة حافظ الكاتب على ثبات أسلوبها فى التعامل مع المواقف طوال ظهورها فى احداث الرواية حتى عندما تأكدت من خيانة زوجها و عرضت سيناريوهات للتصرف الخشن معه توقفت ولم تحرك ساكنا ص107 واكتفت برسم ابتسامه زائفة واستخدام حيلة الضعيف فى ادعاء التعب والاسراف فى الانفاق حتى قام هو بالفعل وضربها فتركت البيت لتنتقم فقط من نفسها وتسعى لتحطيم ذاتها لولا أن القدر الذى يجرح و يداوى وضع هادى فى طريقا  . 

امينة: قدم الكاتب صور نمطية لشخصية العانس التى تكره العالم و لا تحب حتى نفسها وتفرح حين ترى فشل المحيطين بها و لا تتوقف عن البحث عن زوج تتخلص به من وحدتها  وتود أن تهرب من حرمانها العاطفى و النفسى بعلاقة ما  فيلاحقها الفشل وتنمو فى نفسها أشجار الحسرة   وهى ذات اربعا و اربعين عاما واتساقا مع تكوينها الانفعالى نجد هادى يقول: بدأت أتأكد أن البومة امينة وراء أى مشكلة تحدث فى بيتى ص 73  .

أم هيفاء : هى حماة تقليدية تفرح فى البداية بزوج ابنته تنسج له الملاءة  وتظهر الطيبة والفرح  لكنها مع أول خلاف ترفع عصاها وتطلق لسانها بل أنها تحاول التمايز الاجتماعى عن عائلة خطيب  ابنتها : بقول لك أنت ايه احنا مش زيكم . ص 39  و قد ظل دورها فى حدود شكلية فلم يكن لها دور فى اصلاح اعوجاج بنتها بعد الزواج بل  سايرتها ورضيت بها 

سوسن : أم تقليدية مال حظ ابنتها و تشبثت بمن اوقعه حظه فى طريق ابنتها كوثر.

زوج كوثر:  الخائن المخادع المحب للمال الذى تكتشف عن طريق الصدفة علاقاته المتعددة وزواجه العرفى بأخرى  .

صديق هيفاء الذى استغل ازمتها ليمنحها مشاعر ساذجة لكى تنقض غزلها وتهدم عشها.

اضافة لشخصية الراوى هانى الاسمر الذى اراد الكاتب ان يظهر باسمه الحقيقى باعتباره الشخصية المتوازنة فى وسط هذا الخراب المعنوى والاحتراق النفسى  وتعاطف الراوى مع هادى ومن المفترض أنه محايد وهو ينقل الاحداث من وجهة نظر  و لا يظهر انحيازه لطرف ولكن يبدو أنه وجد سماتا مشتركة بينهما جعله ينحو نحوه أولها المهنة ثانيهما  الميول الارستقراطية المشتركة فى القهوة والايس كريم بالفانليه  وقد أتت عبارة هانى التى قالها لهادى : أنت كنت متجوز أبليس ... يا ساتر يارب .

تحمل وجهين أولهما التقرير والثانى هو الاستنكار ورغبة فى مزيد من استدرار مواقف يدعم بها هادى حكايته .


صراع شخصيات الرواية المشوهة :-

حين نتعرض فى حياتنا لأحداث تشبه الزلزال الذى يقتلع السكينة و يهزم الروح و ينشر فوضى المشاعر و اضطراب الوجدان  يتشتت الذهن  فتتعرض الشخصية الانسانية لتشوهات حتمية تدخلها فى صراعات متسلحة  بسلوك غير منضبط  وقد التقط الروائى هانى الاسمر الخيط وحرص  ان يمضى بنا عبر سطوره مبررا الاسباب التى أدت  الى انهيار الاسر من خلال حالة الفقد المؤلمة  للعلاقات السوية محاولا تقديم تفسيرا أوليا لظاهرة مجتمعية واقعية وهى ابغض الحلال فهادى الصحفى الرزين صاحب القيم يقع فى يد مجرم  يأخذه لهاوية ادمان حبوب الهلوسة ليفر من واقعه و يهرب من استحقاق زوجته الملحة على الطلاق  و حين يتعافى ويفشل حلال العقد من عائلة هيفاء فى إعادة اللحمة للبيت الموشك على التفكك  يطلق زوجته  و يتحول لانسان اخر يحاول ان يفترس ناجى زوج كوثر ويستقوى عليه بنفوذه وعلاقاته.

إن واقعية الرواية  تضعنا أما حالة مجتمعية نجد فيها  الفارق المادى بين اسرة هادى و هيفاء يدفع بأم  هادى للنظر من برج عالى لأسرة خطيبة ابنها وتقول له انها ليست من مستواهم و تتندر على لقب هيفاء طريشة  فى المقابل نجد أم هيفاء تدافع عن سلوكيات ابنتها الخاطئة بكل قوة دون أن تنصحها كما هو واجب الأم  و ايضا نجد فجوة أخرى تدفع بالصراع الاجتماعى حيث لاتحتفى أبنة المدينة هيفاء بزوجة شقيق زوجها بنت  الريف على  نفس المنوال فى لحظة يشيب لها رأس الصبى حين تغيب الطفل  عن عيون والديه نجد الأم لا تبالى ولا تنزعج بينما يهرول الاب بهوس وقلق  يبحث عن المفقود .

ولان التشوه النفسى يبلغ مداه مع الانسة العانس أم الاربعين  عاما فتنصب الفخاخ لزميلها المتزوج تقنعه أن يتزوجا ولو عرفيا لكنه لا يفى بوعده ولا يأت بموعده وفى نفس الوقت تنفث شرها فى بيت هادى فتشعل بين جنباته مراجل الخلاف.

تستمر الشخصيات المشوهة فى صراعها ليراوغ زوج كوثر هادى الذى يضغط عليه لطلاق زوجته وكان من الطبيعى ان يحاول هادى الاصلاح بينهما لكنه و قد دمغه بالخيانة يأخذ للاتجاه العكسى و يستغل طمعه فى أن يوقعه كمتهم فى جريمة كبرى.

وتوجد بالرواية شخصيات هامشية جميعها تتحرك على نفس الوتر المشدود وتعانى من أفة عدم الاتزان النفسى .

اللغة المستخدمة فى الرواية :-:

اللغة هى الوعاء الحاوى للقصة وهى لغة سردية مباشرة وكاشفة كما أرادها الكاتب الصحفى هانى الاسمر كمدخل للرواية معتمدا على خبرته فى كتابة القصة الصحفية  نظرا لموضوعها الاجتماعى و اصراره أن يلفت الانتباه عبر صفحاتها لقضية قد يراها البعض بسيطة وعادية و تحدث كل يوم  ومن خلال كل الطبقات لكنها فى تفاعلاتها تودى بأفراد إلى متاهات الانحراف وصولا لأن يكونوا حطبا  تتقد به نار الارهاب المحرقة لذا لجأ الكاتب للغة يستطيع الجميع فهمها  و ضفر الفصحى بالعامية منحازا  للأسلوب الخبرى  و التقريرى متجنبا ما استطاع المجاز و التشبيهات العميقة والحيل البلاغية التى تأخذ القارئ بعيدا عن هدفه من الرواية تاركا  الوقائع تترى  على لسان بطلها ، ملمحا  الاثار النفسية للعنوسة على من يقع تحت سطوتها  ونشعر أن الكاتب وقد اشتبك مع الواقع بلغته فجادت قريحته وحقق مبتغاه فى ضمان  تركيز  القارئ العادى على الحدث .

السرد بين البداية و النهاية :-

اختار الكاتب هانى الاسمر فى سرده تقنية الاعتراف أو السيرة الذاتية لبطله مغيبا عمدا الراوى العليم الذى يقص علينا الرواية من اكثر طرف حيث لم يعط الفرصة لهيفاء كى تبرر تصرفاتها التى بدت فى الرواية غير منطقية نحو  هادى الزوج الطيب الخلوق الساعى لإرضائها فهى وجهة نظر احادية لكنها أوصلت غرض الكاتب فى الانذار والتنبيه وربطت  فى لمحة ذكية بين هم هادى و هم الوطن بين انفصال الاسر وانفصام من يتبنون الفكر الارهابى عن الوطن.

خلال الست وثمانين ساعة المتوترة حافظ  الصحفى هانى الاسمر على واجباته العائلية فهو بين الحين والاخر يتصل بأسرته يعتذر عن التأخير يتفهم قلق وضيق الزوجة من غيابه عن واجباته يسترضيها وتقتنع فهذه طبيعة عمله هذه اللقطات البسيطة بدت اشبه بواحة للمشاعر الايجابية وسط صحراء من المشاعر السلبية هذه المداخلات فى السرد منحت القارئ الفرصة لالتقاط الانفاس وتمكن الكاتب عبرها من التصعيد الدرامى و هى مهارة ننتظر بروزها فى الاعمال القادمة 

ترك لنا الكاتب جميع النهايات لأبطاله مفتوحة كأنما القى بهم من سفينة الرواية فى بحر  متلاطم الموج دون أن يعلن عن مصيرهم لم نجد فى الرواية اثرا لهيفاء بعد الطلاق سوى ما تركته من جراح تحيك فى صدر هادى و على المتلقى أن يخمن هل تزوجت ممن اغواها؟ 

العانس ما مصيرها حتى كوثر التى وجدت فى هادى القشة التى تتعلق بها من الغرق فى طوفان يأسها لم نصل معها بجملة النهاية الخطيرة المعنى الممعنة فى الغموض "الطيور على أشكالها لا تقع" وتذكرنى بشعر نزار 

الحب ليس رواية شرقية 

بختامها يتزوج الابطال .

و تبقى نهاية طليق كوثر سجين المكيدة معلقة على يقظة ضمير هادى الذى اورده للمهالك .

النهاية المفتوحة للراوية تبقى رائعة .

لقد ابحر الصديق والكاتب الصحفى هانى الاسمر فى لجة كتابة الرواية و بنشره لعمله الروائى الأول الصادر عن دار الزهراء اختار مكانه فى الوسط الادبى و دائما يتسامح النقد مع العمل الأول متقبلا رغبة الكاتب فى اثبات الوجود على الساحة وفى انتظار العمل الروائى الجديد نشد على يد الكاتب ونتمنى منه المزيد من التجويد 

طارق الصاوى خلف  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏