قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف



 وقفة مع مطالع القصيد فى ديوان

"لا تنشد المحتاج"

  للشيخ حمدان ضيف الله الترابين

 بقلم / طارق الصاوى خلف 

تصدير 

 الشعر النبطى هو شعر منظوم بلهجة أهل البادية ويسمى القصيد و يستخدم الأوزان العروضية المستخدمة في الشعر الفصيح أو أوزان أخرى مشتقة منها و إن أطلق عليها أسماء مختلفة. 

ديوان لا تنشد المحتاج 

عنوان الديوان يدعو إلى قيمة إنسانية راقية كدأب الشاعر النبطى الحامل لقيم البادية الأصيلة وفى نفس الوقت ناقل لها لأن دور الشاعر في هذه المجتمعات تثقيفى و أعلامي و توعوي وقصيده ينطق بهموم و قضايا أهله وهو همزة الوصل بينهم وبين أصحاب السلطة، نلمح هذا في العديد من قصائد الديون مثل قصيدة "مناشدة" الموجهة من الشاعر لجلالة الملك سلمان يلتمس باسم أم أحد المحكوم عليهم في قضية حق عام بالسعودية أن يعفو عنه رحمة بها .

أم الوحيد اللى بها الحال مسموم بالله عساك اليوم تقبل دعاها

              مسكينتن حرم على عينها النوم يا جبرت الله يوم تسمع بكاها ص 48

 أدى الشاعر في هذه القصيدة واجبه و حقق بقوله ومناشدته دوره المنشود الذى دفعه لاختيار عنوان الديوان معليا قيمة راقية وسنة باقية متخذا من لا الناهية تكأة للفعل المضارع الذى يفيد الحال والاستقبال "تنشد" من الفعل "نشد" أى طلب والطلب يأتى عن حاجة ماسة ومن ثم فهى دعوة عامة لكل من يقرأ ومن يسمع " لا تنشد المحتاج" بل اغنهم عن ذل السؤال. 

  لا تنشد المحتاج قديش محتاج اعطه ولا تذكر النفسك عطيته

           لو تسئله يمكن تسبب له إحراج مسكين ما عنده عشا عيال بيته ص9 .

لأنها سجية تلك فيهم غير محدثة فالشاعر لا يكتف بالنهى بل ينصح من يعط لا يذكر ما جاد به لنفسه حتى لا يسبب للآخر حرجا و يكشف ستر من لا يملك قوت يومه وهذا التعاطف بين أهل الفيافى المتكاتفين في مواجهة الظروف العصيبة هو سر صمودهم على مر الزمان.

من طبعنا حوف الخوى والطنابة ومن طبعنا ما نجرح حساس الناس ص 26

( الخوى / من يتخذه البدوى أخا - الطنابة / هى حماية القبيلة لمن يستجير بها – حساس / احساس )

لقد ألزم الشاعر نفسه في معظم قصائد الديوان بشكل القصيدة التى تسمى في الخليج العربى "المهملة" أو المضمومة و تكون القافية فى كل بيت من شطرين الأول يسمّى ( الصدر) فى الفصحى أو الناعشة وله قافية ، والشطر الثاني يسمّى (العجز) القارعة أو الكارعة وله قافية مختلفة و تبنى كلّ القصيدة على منوال هاتين القافيتين مثل 

الشاعر اللى قال يا البدو حنا نسرى بتالى الليل لا هب نسناس

                    ياما ليالى من بلاهن سقنا وياما شربنا صافى المر فى كاس ص 40

( لا هب / لا نهاب ، نسناس / إنسان، بلاهن /بلائهن )

 يدل بناء القصيدة على مهارته اللغوية و نفسه الشعرى وتمكنه من فن النظم للشعر النبطى فهو واحد من الشعراء المهمين الذين يحافظون على البناء التراثى للقصيدة النبطية ذات النغمة الغنائية و الجرس الموسيقى الرائق والشعر النبطى عموما هو شعر غنائى وله مناسبات يقال فيها مثل السامر أو الدحية أو حداء الإبل.

كيف تشرى من يبيعاك وان دعيته ما يطيعك

اترك أمره لشفيعك ند ما يشريك باع

قابلتنى واعجبتنى ريتها ما راودتنى مادريت انه خداع

                      ريحتنى و اتعبتنى العيون اللى شفتنى رمشها خمسين باع ص31

( ند / ندر ، ريتها / رأيتها )

مفتتح القصيد: 

 من عادة شعراء العرب قديما ومن سار على دربهم حديثا أن تكون مطالع قصيدته بدايات رصينة تجذب انتباه السامع لأن الشعر النبطى وإن طبع و أتُيحت الفرصة للقراءة من الكتب و وسائط الانترنت فأن لنطقه بلهجة أهله أثرا مختلفا في السامعين الذين كان من عادة السابقين في قصيدهم أن يبدأها بذكر الله .

بسم الله رب الكون وامره نستعين وما يخيب اللى بالله استعان ص 20

نلحظ أن الشاعر ذكر اسم الله ثم دعوة للاستعانة به لتحقيق الرجاء فى ترتيب منطقى لفكرته 

                  يا لله يا عالم بسرار الخفايا كم انت عالم المبين ومخفاى ص 29

الياء نداء التعظيم لعالم الاسرار عالم المبين (الظاهر) و مخفاى (ما اخفيه) 

يتبدى ذكاء شاعرنا فى اختيار البداية مفتتحا للبوح و جسرا للوصول لغرض القصيد بالتأثير فى وجدان المستقبل مع انفعال وطنى صادق قوله : 

سبحان ياللى بادى الكون سبحان سبحان من بلطف علينا حنانه

 يا لله تعز الجيش حامى الأوطان اخير جنود الارض جيش الكنانة

مصر العروبة ما نذلت ولا كان من فضل رب الكون رافع مكانه

يبدأ الشاعر النبطى بذكر الله سبحانه الذى جاد على الشعب المصرى بحنانه وأعزه بالجيش حامى الأوطان جيش الكنانة الذى من فضل رب الكون أنه قيض لمصر جيشها لحماية أرضها . 

القلم أداة الشعر

اقسم الله بالقلم و شاعرنا يدرك أنه أداة ابداعه فيدعوه للحضور على أنه النهاية الطرفية للعقل و وسيلة توثيق الشعر و لأهميته القصوى يبدأ به قصيدة مدح فيها جلالة الملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن 

جبت القلم لا كتب من شعر بيتين من هاجسى من خاطرى لك تحية

                    سلام منى للرجال الميامــــــــين أهل الشهامة و الفعال الوفـــــــــــــية ص 14

قصد الشاعر بالهاجس الفكر والخاطر .

 أما في قصيدة "مناشدة" التى ذكرناها سالفا كتب على لسان أم السجين توجه الشاعر :

قوم يا ولد واكتب لنا قافية قوم

              وكتب عن هموم الدهر وش دواها ص 48

 كرر جملة تكاد تكون مثلا " بالورقة و القلم" نظم عليها الشاعر بيتا 

واشكى على سن القلم بالكتابة واشرح همومى على فرخ قرطاس ص 25

     ومن البدايات التقليدية في الشعر النبطى ذكر الناقة التى تحمل الشاعر حيث يريد 

يا راكب اللى ما تهاب المسافات ما همها بعد السفر والمواريد ص 15

المديح 

 من أهم أغراض الشعر العربى المدح الممزوج بالفخر بالأنساب و البيت أو الديرة وهى بمثابة تاج العز ويبلغ القول مداه عندما يمتدح الشاعر قبيلته  

سلام يا ديرة هل الطيب الاخيار سلام شامخ كالجبال المطله

          يأتى كما غيم به الطيب مدرار وبل تغشى كل قفر وتله ص 27

(الديرة / مكان السكن – هل / أهل – الطيب / الطيبون - غيم / السحاب – وبل / مطر )

يسلم على المكان وأهله الشامخين كالجبال المطلة عليهم و يتمنى أن يأتى سلامه عليهم كسحابة تحمل الطيب/ و العطر إلى كل قفر خال وتله معشبة .

وفى قصيدة أخرى بفتتحها بالنداء على الممدوح  

        يالقاسمى جانى مع الناس طاريك منه عرفت إن منبع الطيب من طيب

                     يا كثر ما تلقى الرجاجيل تطريك يا منوت اللى يقابلونك ابترحاب ص 38

(طاريك / ذكرك ، الرجاجيل / جمع رجل ، منوت / منية )

يفيد النداء تعظيم قدر الممدوح الذى اتاه ذكره مصحوبا بالطيب الذى هو منبعها كناية عن الأصل العريق وأنه كلما التقى بالرجال ذكروا له مأثره و أنهم يتمنون أن يستقبلوه بالترحاب . 

تختلف البداية في القصيدة التى يمتدح فيها الشيخ خالد عن سابقتها بمطلع غير مباشر يتغنى فيه بطيب أرومته وحسن منبته و صدق الفعال جعل الشاعر يحسن فيه المقال .

              الساس يبقا لادرك الساس بانيه واللى زرع زرعا على الطيب يجناه

                       انسان بس فعله عن المدح يغنيه فعله مدح بيه قيل ما احنا مدحناه ص 26

( الساس / الأساس – يجناه / يجنيه ) والمقصود أن الاساس يبقى لأنه نبت طيب وهو إنسان اغنته فعاله عن مدح المادحين. 

يختم شاعرنا الديوان بقصيدة مدح لولى العهد السعودى الأمير محمد بن سالمان مدخله إليها أن السلام دوما تقدمة لحلو الكلام وتقريرا لعظيم الاحترام 

      سلام يأهل الطيب والعز والجاه ربعا غلاكم داخل القلب مرسوم

                     نعم الأمير و يا عسى الرب يرعاه الله يعزك يا سند كل مـظــلوم ص 52

لقد أجاد الشاعر في هذه القصيدة الوصف وعبر عن شعوره ورسم صورة بكلماته للمدوح تعبر عن أصله المنيف و المستقبل الذى يحمل كل أمل ومجد تليد لأن اعتماده على الله 

يا ميرنا يا مير مدخلك عالله معصوم باللى خالق الكون معصوم

                      أنت عليت المجد منبع ومبداه للفخر فيكم كوم والغانمة كوم ص 52

الرثاء 

تبنى الشعر النبطي جميع أغراض الشعر العربى و لم يترك الشيخ حمدان مجالا إلا كتب فيه و أبان عن مبتغاه في مطلع قصيدة رثاء خاص بها صديقه الراحل ابن جرمى  

يا الله يا محى المخاليق يا الله ياللى جعلت الشمس غيبة واشراق ص 22

يقر و يعلن التسليم و اليقين أن محى الخلق هو الذى قدر للشمس أن تغيب و تشرق فى مقابلة فنية بين الموت والحياة أو الوفاة والميلاد .

مات ابن جرمى والمخاليق تنعاه ساعات هم وغلب وحزان وفراق

شيخا يعز بشان ربعه فقدناه حز قلبى من ضميرى والاعماق

مات الذى كان علو شأنه بين الناس تعتز به القبيلة و فقده حز قلب الشاعر من الاعماق 

حركت الحوادث المفجعة نبض الشعر بالرثاء لثلاثة من القبيلة قضوا نحبهم و لم ينساق الشاعر فى حزنه بل تمسك بدوره فى تخفيف ألم المصاب موجها شعره لوالد أحدهم معزيا أن لكل إنسان وقت وكم مثل عيد آباء ثكلوا فى فلذاتهم وفقدوا على الطرقات أحبائهم .

الله من وقتا على الناس يا عيد و ياكم واحد من يلاها تألم

( يلاها / بلائها ) و يذكرهم الشاعر بأسمائهم وصفاتهم  

ماتوا ثلاثة للقبيلة مسانــــــــــيد مات ابو سالم وابن رشد وابن عيد

مات ابو سالم وابن رشد وابن عيد هذا الثلاثة عز نفسك عن الكيد ص 12

 تكرار الشطر الثانى فى البيت الأول يوحى بشدة اللوعة لرحيل فرسان تستند عليهم القبيلة في الملمات و لا يقدر أحدا على الكيد لها.

فى هذه القصيدة المعنونة ب ( الله من وقتا على الناس يا عيد)تغيرت القافية لعجز البيت ( الكارعة / القارعة )من حرف الميم بعد الأربعة أبيات الأولى إلى حرفى ( ي د ) فى تناغم بين قافية الشطر الأول المستمرة بطول القصيدة التى تنتهى كلمتها ب (يد ) مع عودته لاستخدام حرف الميم فى الثلاثة أبيات الأخيرة فى خروج نادر على القصيدة المهملة .

ينتقل الشاعر لنطاقه القومى لرئاء شيخ العروبة الشيخ زايد رحمات الله تتنزل عليه بعد أن نشرت الصحف خبر لقائه ربه فانبرى يعبر عن مشاعره تجاه رجل عظيم. 

العين تسهر يوم تقرا المجلات والقلب يشقى من لهاليب ناره

والموت حقا والمنايا خفيات مكتوب عند اللى خفيه اسراره

          قالوا توفى نسان له في المهمات الشيخ زايد طيب الله داره ص 50

الملاحظة الهامة أن التسليم بالقدر هو صفة عامة لدى شعراء البادية ورغم عظم قدر المتوفى إلا أن الموت حق على كل أ(نساس) كما قال الشاعر العربى قديما 

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على ألة حدباء محمول .

 قصيدة المشاكاة والمردة فى الشعر النبطى :

المشكاة قصيدة يرسلها شاعر لشاعر آخر يشتكي فیها أمرا يعانیه معنويا أو ماديا، والمردة هى قصیدة الرد من الشاعر الآخر يقدم لصديقه حلا يراه وينصح باتباعه صاحب قصیدة المشكاة، ويلتزم فیها بوزن القصیدة الأولى وقافیتها و بحرها أيضا. 

تتبعت في الديوان قصيدة اعتقد أنها مشاكاة لأن الشاعر وجه حديثه و بث همه لصديق أو قريب يسمى حسينا 

يا حسين لو تنشد عن الحال يا حسين الحال شينة والشقى هد ذا

                      وخفى جروحى و احبس الدمع في العين وعد ساعات العنا في حياتى ص18

( شينه/ مشين والمعنى سئ ،خفى جروحى / اخفيها ، العنا/ المعاناة ) 

ويحدد التاريخ الذى كانت فيه معاناته ويحصى الليالى التى لم تذق فيها عينيه الكرى. 

تسعين ليلة في ثلاث وتسعين يارموش عينى ما تذوق المباتى ص 18 

يختم الشاعر شكواه مؤكدا أنه سوف يعتصم بالصبر حتى يأتى الفرج 

و اصبر على بلواى صبر المساجين واتحمل اللى تالى العمر ياتى




أخيرا

لقد مررنا مرور الكرام على الكثير مما كان يستحب الوقوف أمامه في الديوان صغير الحجم لكن فيه ما يستحق عودة ثانية خاصة أننى اطلعت على مسودته و قدمته للنشر بصفتى رئيسا لنادى الأدب المركزى بجنوب سيناء سابقا و الديوان من إصدارات النشر الإقليمى للهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2020 في مبادرة أود أن تستمر بنشر دواوين الشعر النبطى باعتباره رافدا من روافد الشعر العربى الأصيل ,

طارق الصاوى خلف 



  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏

رسالة لرائد الخير " سامح مدحت" فى ذكراه الرابعة طارق الصاوى خلف