مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

 

مطب سيناوى

للشاعر رأفت يوسف

حساسية العنوان وتفاعله مع الواقع

                                                


 

تصدير

الشاعر لسان قومه و قصائده بيان حالهم و سطوره نبض همومهم تفاعل العنوان مع  الواقع

الشاعر الذى يتنفس هواء سيناء و يتنسم رائحة البحر وهواء الجبل و يعيش حياته يومياته فى الديوان بين الأرواح السارية و الصباحات النادية يجول بنا شاعر الجنوب "رأفت يوسف"  فى عالمه الشعرى على مدى اثنتى عشر قصيدة  من تدفقات وجدانية تفيض بالحب و مفعمة بروح وطنية  عالية.

تتركز الوحدة العضوية للديوان حول محورين أولهما المتعلق بأرواح عزيزة على الشاعر فقد وجودها الفيزيقى لكنها  تحن فى غيابها عن عالم المحسوس لأحبابها و تندمج  مع  معشوقها، تشكو إليه وجعها.

يتلاقى هذا المحور من الديوان عبر  جسر مشترك من الانتماء لأهل رحلوا و وطن يعيش داخل ذات الأديب  كمصدر إلهام، يقود خطواته و يذوب وجدا معه  حين يرفرف العلم لتخفق فى ارتفاعه القلوب أما المحور الثانى من خلال عناوين القصائد يتمنى للقارئ و مصر و سيناء صباحات نادية .

فى المحور الأول نجد روحا  شفافة  تسرى  تدعو للمحبة و تجتر ذكريات ُيتم و فقد و عادات ذهبت تاركة نقشها تمائم تزين إبداعه  فى قصائده ( روح الحب - روح عيد وعيد على ناسك - على عرفات – فى كل حصة - روح أخويا – هى دى وصية أمى – سلام من قلب عاش حابب سنين حرفك )

فى " روح الحب" يتوجه الشاعر  لقبلته المفضلة التى يحب لأجلها و يعادى من يمسها و لو بهمسة سوء لأنه يتحد مع الوطن بل إن روحه تحل بجسده فإذا هما واحد فيعبر عن مصر فى القصيدة بضمير المتكلم:-

بروح الحب بهديكم  سلام

سلام دايم لكل الناس

انا مصر اللى خطاها

خليل الله .  ص5

ويبلغ الذوبان فى الوطن مداه فيمتزج تاريخ الشاعر بأمجاد بلادنا :

أنا اللى تاريخى ملى ياما

ورق صفحات.

ونتحفظ هنا على استخدامه لفظة "صفحات " حيث أن أمجادنا لا تستطيع أن تحتويها مجلدات. ودلل على تلك الأمجاد  شاعرنا بأول معاهدة فى التاريخ عقدها تحتمس الثالث مع الحثيثين :-

أنا أول معاهدة حب

فى الدنيا أمان و سلام.

ولا يكتفى الشاعر بهذا التمازج و حلول روح الوطن فيه بل يحدد الهوية له و للوطن.

أنا مواطن عربى أصيل

بلون مصرى و دم خفيف

و لأن اللون المصرى هو نسيج واحد متماسك الأطياف نرى الشاعر يختتم قصيدته بخلاصة الفكرة :-

أنا بالحب ممزوج

 روح بلون ولاد أرضى

 ومسلم و يا نصرانى ايدين واحدة

ومعنى تشوفه كل الناس ص7

تأخذنا روح الحب لقصيدة تالية تحمل لونا آخر من هم الوطن كنصيحة أو أمر وربما دعوة للوحدة و التسامح و نسيان من أصابك منه سهم أغضبك  و يقدم لنا فيها مقطوعة من السطور الشعرية القصيرة ذات نغمة موسيقية عالية توحى بالفرح و تؤكد أننا أمام أغنية للعيد :

روح صلى و عيد على ناسك

وافرح بالعيد

خليك فى العيد

فرحان وسعيد.

فالعيد دعوة عامة  للتسامح  و التصالح و الاجتماع و الاستمتاع و رى ظمأ الروح بشهد السعادة  و التصالح.

وانسى ف تكبيرك

مين ظلمك

متكونش عنيد

سيبها على الله

ولله أقم المناسك و اتبع الأمر  الكريم "خذ العفو وأمر بالعرف " وهو ما يدعونا له الشاعر ضمنيا .

سجل أسمك

ضحى و هلل

بالعفو يا صاحبى

روح أتجمل.  ص11

وتستمر الروح تشده للبوح فى حلقة متصلة  فالعيد و التكبير والتهليل يسبقه يوم عرفه فيتجه الشاعر بنفس النبض الذى يفيض بالوطنية ويتزين بالإيمان ليمنحنا لقطة شعرية على عرفات وينقل لنا دعواته التى رفعها للسميع البصير :-

يارب يا عالم الأحوال

تخلى كل صعب منال

وتشفى كل أخ مريض

وترحم أخ عندك مات ص14

و تستمر تجليات الروح فى الديوان حتى نراه فى قصيدته التالية "فى كل  حتة روح اخويا"  :-

صورته ساكنة

فى نن عينى

وذكرياته حتة منى .

تلك الأرواح السارية كالأنهار الجارية تخفف من  الفقد و تريح المشتاق:-

روح مصحبانى

فى خيالى

وف منامى  ص 16

وفى صورة بلاغية جميلة ومركبة عبر أكثر من سطر

بوسة فوق خدى

وجبينى

كات بتمسح يتمى عنى.

و انطلاقا من الميثولوجيا الشعبية حيث تسكن الروح المكان بعد لقاء صاحبها ربه تطوف على أحبابه وتتألم لهم وتشاركهم لحظات بهجتهم وأحيانا يشعرون بها فيطربون لنسماتها :- .

فى كل حته جمعتنا لسه

باقية فيها روحك

لسه عايش.

يبحر شاعرنا فى تيارات الذات ويلتقط أفكاره من  الذكريات و يلضم الأرواح فى قاطرة الشعور بأنهم لم يرحلوا عنا بل باقون فالأم ججتعيش روحها فى ظل وصيتها:-

توصى فينا خد كتابك

 نمشى ساعة الرقرقة و السما متزوقة

على البحر نحفظ فى الدروس ص35

ولا يفوتنا أن نشيد بالموسيقا الناتجة عن الجناس الناقص بين الرقرقة ومتذوقه ، ثم  يناشد أمه الراحلة بعد أن ذكر كل وصاياها وشرح ما يستقر  فى ضميره من هم اليتم  و  تجليات أحزانه:-

سيبى روحك جنبى حارسه اللى

 روحى فيها دايبه

و من رثاء الأم إلى المعلم الذى تأثر بشعره ونهجه الشاعر الكبير سيد حجاب وان كنت أرى أن الحالة الوجدانية أثناء كتابة القصيدة لم تكن مكتملة و أنه لم يدع الفرصة لمشاعره كى تحتشد فأتت سطوره مغايرة لما عهدناه فى ديوانه

هتوحشنا و لو عشنا ما راح

ننسى

 اللى علمنا وراح عنا

يوم أو غاب

رحم الله الشاعر والمعلم والملهم للاخرين السيد حجاب ونستعرض طرفة من ابداعه الجميل

وينفلت من بين أيدينا الزمان..

كإنه سحبة قوس في أوتار كمان..

وتنفرط ليَّام عود كهرمان..

يتفرفط النور والحنان والأمان..

وينفلت من بين إيدينا الزمان.   سيد حجاب

المحور الثانى للديوان:

الصباحات النادية  بين مصر وسيناء ويشتمل على قصائده ( صباح الفل يا سينا – كل عام و انتى لسه بخير – صباح الخير يا مولانا -  مطب سيناوى)

سيناء أرض الشهادة و  للشهداء و الشاعر يحس بهم فيتوجه لهم و يوجه لهم تحية صباحية واجبة .

صباح الفل يا غالية

 فى عيد تحرير تراب أرضك...

صباحك لونه متحنى

بدم شهيد على ترابك ص 42

و لا يغفل علم مصر رمز عزها و سؤددها تفتديه الأرواح و  خصه شاعرنا بقصيدة كاملة ( حصة إملاء )  وهو يؤكد على نصائحه السابقة  يتمنى صباحات مورقة بالعلم لأشبال عرينها:-

صباحك علم يتعلم

 بأيد أستاذ فى مدرسته

صباح لون بلادينا

 ولا فارق أكون فلاح و لا بدوى ولا صعيدى

دا حبك ميه فى وريدى

على أرضك تلمينا ص4

فى قصيدته الوجدانية التى يبحر بنا شاعرنا فى بحر متلاطم الامواج بين الوصل والصد والتزامه بنهج الحب و رغم حرمانه يبقى  متوحدا مع الحبيبة / الوطن فى قصيدته "كل عيد وانت بخير"

رغم جرحك

بس مش هنسى الليالى

 والسنين اللى ف حبك ص57

لا يُخفى الشاعر طويلا ماهية من يقدم لها التهانى فى قوافل الأمانى رغم محاولاته نسيانها :-

بس لسه القلب فكرك 

 كل عيد شايف ملامحك

 اجرى فى بعادى واقولك

كل عام وانتى بخير

واستمرارا للصباحات السعيدة  يتوجه الشاعر المهموم بمشكلات الوطن فى قصيدته "صباح الخير يا مولانا " إلى أصحاب الرأى و يوجههم  ليعرفوا  أصل المحبة المجبول عليها الشاعر الذى دفعه لمخاطبتهم :-

وانا العاشق بأمر الله

وعشقى لمصر وترابها

فى كل حروفى يشهد لى

لهذا يدعو كل من شاخ عقله لكى يضم إليه يده لرعاية النشء بالفكر القويم على النهج المستقيم :

تعالى نعلم الأولاد 

دروس الحب والاخلاص

ويؤكد على حاجة مصر  لكل ابنائها فى نهضتها الحالية :-

ياريت تفهم يا مولانا

بأن الأرض عطشانة

وأن الوردة لو طالعة 

 أكيد لساها حزنانة

أما القصيدة عنوان الديوان فهى حديث سيناوى خالص قد لا يتوجه به لعموم المطالعين للديوان بل لخصوص المهتمين بالشأن السيناوى والمنخرطين فى العمل العام بها:-

المطب صدقونى مش صناعى 

 المطب أكيد سيناوى

 ويبرر ذلك ذاكرا العلة فى تسميته للمطب الذى هو جزء  منخفض فى الأرض السهلية أو فى الطريق قد يسقط فيه من لا ينتبه لوجوده أو يغفل عنه  ويحذر أيضا من قيم سلوكية تحول المطب المادى إلى مأزق معنوى نراه ونحس بأثره ندوبا فى الروح وجراحا فى النفس فالحكاية :-

الحكاية مش غناوى

 أو كلام يتقال ف قاعدة

ع القهاوى

فسيناء محتاجة لمن يعمل لها ويضع مساهمته فى نصب مجدها :-

سينا محتاجة لسواعد

 إيد بتزرع ايد بترفع

إيد تساعد

يبقى فينا الحلم واعد

لكن هذا الحلم تطارده النفوس الشحيحة :-

مين هينفخ ؟

ومين يطبل؟ 

ومين هيظلم ؟

 والسيناوى امتى يلقى إيدين تداوى؟

ليخلص الشاعر فى رحلة المصارحة  ويضع عدسة المراقب على مكمن الخطر :-

كلمة خدها من كلامى

 عيبنا دايما ف ضميرنا

المطب مش صناعى

المطب يا ناس سيناوى   ص 69

همسة لشاعرنا الذى قدم لنا من فكره ومن مشاعره و تجاربه ورؤاه للمجتمع  فديوانه يغوص فى قضايا المجتمع لقد أحسن صنعا بذلك الطرح المتماهى مع جمهوره و لكننا ننتظر منكم المزيد من التجويد و الامتاع  وطرح قضايا الذات والغوص فى الذكريات .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏