نقوش على راحة القلب للشاعر / ابراهيم صبحى بقلم طارق الصاوى خلف
نقوش على راحة القلب
للشاعر / ابراهيم صبحى
حداثة الشكل وأصلاله فى المضمون
قال عميد الأدب العربى
" كل الناس يعلمون أن الأدب لا قيمة له إذا فقد الحرية ، والأديب عندى مسئول قبل كل شئ
أمام ضميره وذوقه وعليه – هو- أن يلائم
بين ما يُنتج من الادب وبين بيئته وعصره والظروف التى تحيط به "
الديوان من الغلاف للغلاف
الشاعر أبراهيم صبحى المرسى على مشارف الأربعين من العمر ، طنطاوى المنشأ ، عاش أوج الحركة
الأدبية فى الغربية فى تسعينيات القرن
الماضى إستمع الى آنات المترجم والشاعر السيد الليثى وتعرض لنقد العزونى القاص المقل رغم موهبته العريضة ربما ليتفرغ
للنقد بقلم كأنه السوط ينزل ثقيلا على المبدع فى بداياته يميز ما بين الأديب
الحقيقى الذي يجعل من النصائج الصادقة
للعزونى مطية للنجاح ، و المدعي الذى
تتحول كلماته الساخرة عصا موسى تهشه بعيدا
عن ساحة الجادين ومنهم صاحبنا .
الديوان ُيقرأ من العنوان الذى يشتبك مع متلقى عرف جملة " نقوش على
جدار القلب " لكن شاعرنا يباغتنا باستخدام كلمة راحة المشتقة من " روح
" والراح بمعنى " الخمر " وكما هى واردة فى مختار الصحاح
"والراح جمع راحة وهى الكف " .
نطرح سؤالنا الأول هل قصد الشاعر
أن النقوش على كف القلب ؟ والكف فاعل للنقوش
أم أن "نقوش على راحة القلب " صورة بلاغية .؟ أم هى اسم قصيدة اختارها عنوانا للديوان ؟ الإجابة المؤكدة عندى
أن اختيار العنوان جاء عن وعى من الشاعر بأن النقوش هى عمل شاق ومستمر ويحتاج لمن
يطالعها أن يتابع التفاصيل الدقيقة ، وقد أخبرنا العنوان - منذ الإهداء الشعرى -
أننا أمام دفقات من الشعر الآتى من منطقة الوعى بماهية الشعر الحرحتى يدعونا الطرف الآخر من الغلاف لوقفة طويلة متأنية مع الموسيقا الناتجة من جناس ناقص لكنه يعطى
جرسا ونغما ويمنح ألفاظه ثوب الغناء .
تلوحين عشقا والحسن أفقا
وللشعر دفقا
فإن كنتما اثنين ها أنتما - الآن –
رتقا
فرفقا.
رصانة فى الكلمات، مناسبة فى ترتيبها، تناغم فى صياغتها . أما ما بين دفتى
الكتاب فسوف نلج بابه فى حذر فالشعر يقف على ناصية الحدائة فى الشكل فهل سنجد
المضمون يسير على نفس المنوال ؟
حداثة الشكل
اولا : التقسيم الداخلى للديوان يذكرنى بتركيبة الجيوش قديما فيما
يعرف بالخميس تكون فيه مقدمه ( قصيدة "سرها ") و قلب وجناحين
ومؤخرة لكن سرعان ما أفلت منى هذا الخاطر لأنه أتى عن
تعمد و ترصد من الشاعر بخمسة تكوينات
ولم يكن – هذا - عفو الخاطر فهو مهندس يستفز عقل القارئ بالشكل البنيوى
للديوان فهو يبدأ بقصيدة بعنوان "سرها" وهى عبارة عن نقوش لغوية
مسبوكة، متماسكة سطورها .
لا تكتمى ...
الضحكة العذراء أجمل ما أرى
لا تسدمى باب الحوار ولاتبالى
بالورق
فالوقت لا يسع النقاش .
فأى سر يخفيه الشاعر لهذه البداية الخارجة
عن حدود التقسيم يسايرنا الشاعر
ويعبر فوق حيرتنا
ونرتقى درج الذهول إلى حدود يقينها
وحدودنا مفتوحة للريح .
القسم الاول فى الديوان
بعنوان : النص وقراءة .
القسم الثانى فى الديوان
بعنوان : شواهد .
القسم الثالث : صوت عينيك .
القسم الرابع : مع التواريخ .
وربما الرابع مكرر : نقوش على راحة القلب
ولست أعرف على وجه الدقة أكان مقصودا من الشاعر أم أن الناشر تعجل فى القص
واللصق ؟
وإذا نظرنا للعناوين من وجهة نظر الحداثة و قمنا بمغامرة الحصول على قصيدة نثرية متشيظة لكنها فى النهاية تقدم
معنى من تقاسيم الشاعر على وتر الأوراق .
سرها
النص والقراءة
شواهد
صوت عينيك
التواريخ
نقوش على راحة القلب .
تتشكل أمامنا قصيدة منثورة ألقى بها الشاعر وتركنا نجمع من
خلفه الكلمات نلضمها تولد معانى، تحيط بالديوان كالسور حول المدن .
ثانيا : لغز الترقيم
يرسم لنا الشاعر من جديد داخل عدد من القصائد الديوان علامات استفهام يطلب
منا أن نعرف ماذا أراد الشاعر باستخدام كل
أنواع الترقيم المستخدمة فى الأبحاث العلمية
فى قصائد الديوان فنجد الترقيم المتسلسل واللاتينى والمتدرج .؟!
يغير الشاعر باستخدام الترقيم ترتيب قصائد الديوان فاذا سرنا خلف الترقيم اللاتينى سنجده يجوب بنا
متخطيا أرقام الصفحات لنطالع عناوين القصائد التالية I على السبورة II صوت عينيك III قبل أن تأتى IV النبؤة
ألسنا أمام صورة للحداثه لوحاولنا أن نفرأ العناوين كقصيدة مستقلة .
على السبورة ...
صوت عينيك ..
قبل أن تأتى ..
النبؤة
وفى الترقيم العربى يبدأ برقم (1) و ينهيه برقم(2) ثم يبدأ العد من جديد، و نرى العناوين تتكامل للقصائد
(1) صدى (2) عميق . بينهما قصيدة ( القلق ) تفصل بينهما بلا ترقيم . الاولى
مبتدأ والثانية خبرها وبينهما مضاف
إليه والجملة :
" صدى القلق عميق "
يلقى بنا الشكل فى بحر التأويلات
وهو دور الناقد أن يستكشف ما يضمره الشاعر حتى ولو كانت فى قصيدة واحدة مثل ترقيم
مقاطع قصيدته " قراءة " ومنح كل مقطع عنوانا وترقيما كما يلى
(1 لغة ) (2 مضمون ) (3 خيال ) (4/I صورة ) ( 4/II ايقاع ) ( 5 أنفعال ) (6 لوحة
)
وإذا ربطنا العناوين نجدها تعطينا المعنى التالى القراءة للغة وللنص مضمون
يحتوى على خيال وصورة وايقاع يولدان
انفعال يشكل لوحة .
ألسنا أمام ترتيب منطقى وهندسة معرفية لقصائد الديوان ؟ نلمس التكامل العرض
المتسلسل مع استخدام الترقيم للوصول للوحدة الموضوعية لقصائد الديوان .
أصالة المضمون
السطر الشعرى
من الاشكال الحداثية فى قصيدة للشعر الحر و المنثور أن السطر الشعرى وحدة بناء القصيدة ، ونجد من يقوم بتوزيع
الحروف بشكل هندسى على أكثر من سطر كما يتم الحرص على قلة عدد الكلمات فى السطر الواحد وقد أصر الشاعر أبراهيم صبحى المرسى أن يقدم لنا تنويعا
فى عدد كلمات السطر الشعرى لديه ففى قصيدة " سرها " يتكون السطر من أربع
كلمات على الاقل وكذلك فى قصيدة "النبوءة " أما الاتجاه الغالب فى الديوان فهو السطر القليل الكلمات بحيث لاتزيد عن ثلاث فى الحد الأعلى وإن كانت
المفردة الواحدة هى بطلة المشهد فى أكثر القصائد ففى "قصيده "
يفترش
العاشقون
البساط .
وفى " التواريخ":
واقفة
فى الليل
لموعدها .
وعلى نفس المنوال فى "صوت عينيك"
أستعدوا
يستريح
القادمون
من الطفولة
يتعبون .
كتب الشاعر قصيدة "صدى "
كما يلى :
تُغير
على ذكرياتى
فهل نبتت
وردة
أم إطارا
لذاتى
أظن أن بإمكانه أن يكتب سطوره الشعرية حسب تقديرى لإحداث الموسيقا الملازمة لجرس الشغر :
تغير على
ذكرياتى
فهل نبتت وردة
أم إطارا لذاتى
لكن أراد الشاعر بتشكيل سطره
الشعرى أن نلتقط أنفاسنا مع كل لفظة وان نتمعن فى كل مفردة وإذا كان الشعر هو
المعبر عن روح مبدعه فأن صاحبنا مثل ثغر البحيرة نراه هادئا وساكنا وقد نقل طبيعته
لفنه وكأنه يقول لنا عبر التقنية فى قصيدته على رسلكم أنتم أمام نقوش يجب احترامها
بالوقوف عندها، و التفكير فيها بتفاصيلها التى لن نراها لأول وهله كما فى قصيدة " الفراغ":
هنا
مازال
خيط أغنيتى
الجميلة
لعبة
الفارين
من فلك
الهدوء .
الصور فى الديوان
أعتمد الشعر على الايقاع والتصوير والموسيقا. التجنيس بأنواعه والتصريع وهو ما يلحق الحداثة بالأصالة كما أن التشبيهات تدل على الثقافة العربية
الغالبة على الشاعر حتى وهو يولد تشبيهات خاصة به "كصوت عينيك "
كأول مثال استوقفنى وانا اطالع الفهرس فى يوان " نقوش على راحة القلب
" نجد أن الشاعر قدم لنا صورا بسيطة عميقة الدلالة جمع فيها ما بين المادى
الملموس أو الشعورى المحسوس فى تركيب جديد للصور البلاغية حيث نجد :
سيف من موسيقا عينيك ، السحب
مظلات تنزف ،.
ترتج الروح من التصفيق ، تصطف اشجارها فى الشرايين ، تزف الاريج إلى
خضرة الروح ، كسرت زجاج الشعر ، السواسن
فوق نافذة المنافى .
ورنت كريما
مثل ريم شارد
وإذا كان الشاعر قد نجح فى تقديم الصور البسيطة فانه قدم صورا مركبة مثل :
يرويك الصبح بضحكته الهادرة .
فينبت - فى عينيك - العشب السحرى
تاج من زهر برى
سور من أحلام العشاق .
فى الرأس
تصهل مهرة
وتنام
تضطرم الحقائق
تنطفئ .
الموسيقا فى الديوان
اعتمد الشاعر بصفة أساسية على السطر الشعرى والأنتقال من سطر لآخر فى توليد إيقاع وربما نوع من الموسيقا الهادئة
تجذب الأذن عند القراءة المتأنية لكنه لم يهمل الوسائط الأخرى التى أظنها أتت عفو
الخاطر من خلال تدفق النص فأتت مناسبة للسياق مثل :
لتولد أغانية من مقلتيك
وتسر قوافيه فى وجنتيك، قد تهز البلاط وتغدو السياط ، الخد /الورد ، الأسنان/
البرد
لم يقطف وردتها
تكسر قنديل أنوثتها ، الصفع / الصفح ،
ماذا يضير؟ أعد بقلبى سريرا
كما استخدم الشاعر المقابلة والتضاد
لإظهار المفارقة وتوضيح مراده مثل :
المفعم بالثقة الممتدة / و الضعف القاهر
،
بين الألم القائم / والأمل
المرجو
، أنام على وجه حبيبى / وأقوم
الاقتباس من القرآن
مثل " رتقا " ، "
يلج " ، " ثمانية " ، " بسيماه " ، " أنى " ،
" الآن "، " لات حين مناص "
و " تدعو"
القضايا الكلية :
أعلن الحداثيون مع انتهاء العصر الفيكتورى أن زمان القضايا الكلية قد انتهى،
واستبدلوا اليقين بالشك و المجمل بتفاصيل التفاصيل لكن شاعرنا الذى اتخذ
الحداثة مطية فى الشكل يُصدر عددا من قصائده بجمل خبرية جازمة النتائج يستبق بها
المقدمات :
فى قصيدة "نقوش على راحة القلب "
هامش
العمر
فى كل
يوم يزيد
تضيق
-له -
صفحتى
فى قصيدة انفعال تشبيه ناقص للبحر بانسان حاقد:
البحر
لا يصفو لنا ،
مطلع قصيدة " يفاجئه"
فى كل شبر تمر به
لا يزال المكان هنا اخذا - منك –
بهجته
مطلع قصيدة " قبل أن تأتى" :
الوقت ...
لا يعنى ..
سوى الموت
فى مقطع من التواريخ " تلك الصورة المستدعاه من خيال الطفولة
جنيات الشارع
تمحو ..
( حين تريد )
معالمه
مفردات المهنة
يشغلنى عند القراءة البحث عن معلومات شخصية عن الكاتب من خلال ما كتبه
ولأننى أعرف الشاعر و أنه معلم للغة العربية ومديرا لوحدة القرائية بالتربية
والتعليم فلم يكن صعبا على أن ألتقط الخيط ، و أراه من خلال ديوانه يقف أمام طلابه
يتجادل معهم ، يوجههم .فيقول لهم فى سطوره الشعرية :
الوقت لا يسع النقاش ، نتصور من وقع تجاربنا ، الدرس الثانى / بعد استيعاب
الدرس الأول / اكتب / وتعجل درس ، سجل درسك ، احذف درسين ، أتذكر ، أستعدوا ،
يسألنا ، لا شئ يبدو واضحا ، أجردها من سياقاتها ثم أتركها ، فماذا بعد ؟ ، ساعة
الاصغاء ، نسطر فيه مسودة ، أرقبه يدير الوقت .
و لا تننهى الجولة فى أى عمل أدبى
دون أن يثير الناقد شهية الكاتب وأحيانا
غيظه بأن يسطر أن العمل متميز و" لكن
" تلك الكلمة اللازمة لكل جهد بشرى وهى تعنى أن الوصول للكمال من دروب
المستحيلات و تبقى بعض المنحنيات البسيطة فى نقوش الديوان لابد من ذكرها مثل :
"من أجل عينيك دانت "
بحثت عما دانت لعينها فى السطر التالى فلم أهتد لمعنى يكمل الجملة .
"لات حين مناص" وأصل الجملة "ولات حين مناص " وأظنها
فى موضوعها لم تعط المعنى المطلوب .
"تشرب ترتوى " جملة أكل عليها الشعراء حتى صارت من تداولها
لاتعنى شيئا جديدا
خاتمة المطاف
صدرت هذه المطالعة فى ديوان الشاعر
المهم فى الحركة الادبية بمصر أبراهيم صبحى المرسى بمقولة عميد الادب العربى اقتطع
منها :
"والاديب عندى مسئول قبل كل شئ أمام ضميره وذوقه وعليه هو أن يلائم
بين ماينتج من الادب وبين بيئته"
أظن أننى عرضت لبعض الظواهر الفنية والجمالية فى ديوان " نقوش على
راحة القلب " و لم أذكر عامدا ما يسميه النقاد بالجو النفسى وتحليل بنيه
القصائد وأنما اكتفيت بما أسلفت تاركا
للشاعر أن يعبر بذوقه وضميره الفنى عن عمله.
تعليقات
إرسال تعليق