أسرى مع الهاجس للشاعر محمد عبد الكريم الدلح مطالعة فى الشعر النبطى لـ طارق الصاوى خلف
أسرى مع الهاجس
للشاعر محمد عبد الكريم الدلح
بين الشعر العامى
والنبطى
أشعار ضى القمر
تصدير
للشعر الشعبى فى المناطق الحدودية جناحين يحلق
بهما فى سماء الإبداع والإمتاع وهما شعر العامية و الشعر النبطى .
وقفة مع الشعر البدوى
فى نهاية التسعينات وفى ليلة رمضانية جمعنا لقاء عبر أثير إذاعة جنوب سيناء
مع شيخنا الشاعر الكبير سلام مدخل و الأديب محمد الدسوقى وأدار الندوة الإذاعي
الراحل عبد الجليل الوكيل و تحدثنا عن
التراث السيناوى وكيفية جمعه وحفظه و تحدثت عن أهمية اندماج الشعراء البدو فى
الحياة الثقافية المصرية و كنت قد قرأت لأمير شعراء البادية المرحوم الشيخ عنيز
أبدست خشيتى أن تأخذ الحياة
العصرية الشعر النبطى لطريق آخر وأظن أننى لم أك مصيبا فى هذا الرأى و اعترف أننى
كنت أجد صعوبة فى قراءة الشعر البدوى حتى طالعت كتاب الباحثز الشاعر أ. سلام مدخل "الأمثال والمأثورات الشعبية
عند بدو جنوب سيناء" وفى المقدمة حل لى اللغز و وضع عشرة
نقاط لفهم لهجة الشعر النبطي وقد
استفدت منها أستفادة كبيرة فى متابعتى النقدية الانطباعية عن ديوان شاعرنا محمد
عبد الكريم الدلح وهو ثانى ديوان للشعر النبطى
يصدر فى عن النشر الإقليمي بفرع ثقافة جنوب سيناء .
أسرى مع الهاجس
يقول المثل العربى " فى الليل ُيحمد السرى" والسرى هو السير ليلا حيث يأمن المسافر شر من يتبعه أو يتوقى حر
الصحراء وعطش الدابة ومع الظلام تأتى الهواجس
فى سكون الليل تسرى مراكبى
مع هواجس فى خفوق تصطلى
عشتها والحلم يقلق مرقدى
طال ليلى و اعترانى كل ضيق ص 5
تلك الأفكار والمخاوف التى تهاجم
الأنسان فينفعل بها و يعبر عنها فتأتى الونه و هى حالة نفسية يخاطب فيها الانسان
ذاته :
أسرى مع الهاجس ولا قام يطريه
قامت عيونى تنثر الدمع تبكين
ويعبر عن مكنوناته بواسطة الرموز
المصرية الأصيلة و الموحية
اسهر مع أبو الهول واطالع النيل
وحلمى القديم يا طول
مسافاته ص 65
ومع الهواجس يسترجع الإنسان ذكريات
الدار والأهل و يصول داعى الشوق والحنين فيتحدث عن الحب ويلتاع من الفراق :
سقاك الغيث يا دار النشاما
سقاك المزن صاف من
بحوره
و على هذا المنوال سارت قصائد الديوان ليصدق العنوان مع المتن ويتحد
المكتوب على الغلاف مع المحتوى.
الشاعر بين الحضارة وشواهد البداوة
امتاز الشاعر بسلاسة اللغة و ابتعاده عن الألفاظ المغرقة فى البداوة و نشهد
أسلوبا جديدا فى بعض القصائد تجعلنا نزعم أننا
لو غيرنا بعص الكلمات القليلة لقلنا عنها شعرا عاميا :
تغازل عيونى جفن .... الليل
ومن بين الأهداب ترسل نظرها
تطالع وجه القمر وسهيل
وترعى النجوم وتبكى... قدرها ص 55
أي رقة وعذوبة تلك التى انساب بها
يراع الشاعر البدوى وهو يصور لنا حاله
فيحول الليل الليل لإنسان تغازل عيونه جفنه:
ألا يا ألله يا عالم بحالى وعالم حال من يشقى بناره
يموت الحلم من قدام عيني وبحر
اليأس فى القلب داره ص 24
وهنا صورة بلاغية حيث جعل بحر اليأس ساكنا فى قلبه مما يوحى بشدة اليأس
وعظمه:
يقول اللى دموعه فى عيون سحابة
من مطرها من مزونه
حبيبى زاد بعدك من شقايا وقلبى
المنهك اشقتنى ظنونه
تغيب وقلبك
الجاحد نسانى ص49
ومثل :
انا و الذكرى وصمت الرحيل
يضمنا جفن الليل
... بطياته
اقول الشعر و اجر مواويل
والليل الحزين يبكينا بدمعاته ص
64
وليس فى هذا عيبا بل هو طبيعى نتيجة وجوده الفاعل فى المجتمع فالشاعر يجوب
مصر ويعيش تجارب حية و هو مشارك فى الحياة العامة لهذا تأتى هذه التجارب مفعمة
بروح الامتزاج و الانصهار الثقافى وفى نفس الوقت يحافظ على أصالة الشعر النبطى
ويقتفى أثر وأعراض الشعراء السابقين مستعينا بمفردات البيئة والحياة وكما يقول
المثل البدوى "أول الكلام القهوة "
ويلاحظ الاهتمام بأدواتها المكونة من (الدِّلال) وتعني البكارج، و"
المحماسة" التي توضع على النار
لتحميس البن، والفناجين، ويقال عن القهوة مفتاح الكلام:
اتذكر ديرتى والبن ... والهيل
وكل ما هب الشمالى أضم نسماته 64 ص
ويذكر أدواتها : مع دلتن تقدح
نار تغليه
وبهارها بالطيب والهيل يحسين ص8
و نرى متاهة السير فى الفلاوات و
صعوبتها على الفرد
ضاع دربى و المشى كله عسير
فى دروبن
ما بها خلن ... رفيق ص 5
خاصة إذا لحق به الليل وغشته الظلمة :
ليلى قضيته تقول امودرن حاجة
والنفس فى ليلها تكثر لجالجها ص6
يمشى سواد الليل ليله ويسريه
ماله غير دمعة ملامح كثيرة
ويقول أيضا :
اسافر مع سحاب الشوق
سهيرن دمعتى تجرح دموعى ص 53
كما نرى صدى الشعر القديم والعلاقة مع الذئب أو أبو جعدة و كما يقول الشاعر
القديم
عوى الذئب فاستأنست بالذئب اذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
يقول شاعرنا: واجوح جوح الذيب بروس الطرانيق
وازووم زوم العود بعقالن تثنى
(اجوح : اطلق صوتا ، الطرانيق
: قمم الجبال )
و الشاعر أو البدوى حين لا يجد أنيسا فى وحدته وليل وحشته يتأخى مع الذئب و يسيران على خط متوازى فى شكل معاهدة
بين طرفين جمعهما الخوف والهدف :
أنا خويك يوم عويت يا ذيب
نسرى الليالى يم درن غريبة
نمشى انترافق رفقة أهل المواجيب
واللى يخون الرفقة الله حسيبه
رجلى على رجلك بروس المراقيب
ونطالع
اجبالن مشى غصيبه ص 43
( خويك: اتخذك أخا ، يم : اتجاه ، درن : دور ، المواجيب : أهل الواجب )
كما أنهم يسمون فى البادية الذئب
سيدا و الثعلب لسرحان :
يوم كنت أنا و أنت وثالثنا الليل
و سرحان من بعيد يواسينا بعوه
والحنين للديار ومخاطبتها لازال
لشاعرنا نصيب فيها كما خاطب الشاعر القديم دار مى
يا دار مى بالجواء تكلمى
وعمى صباحا دار مية و اسلمى
يقول شاعرنا :
سقاك الشوق يا دارى دموعا
تهل امزونها وبلا بعينى
تلوح ابروقها برقن تشوفه
على خدى كما الدر الثمينى
امزونها بمعنى مزن و هى جمع وتعنى السحب ومفردها سحابة ؟
و يتحسر الشاعر علي الدار:
يا دار ما ظل غير رسمة قراطيس
يلعب بها سفيان وقت الوسومى 35
سفيان هو المسرع فى سيره وربما قصد
الشاعر به الريح
والشاعر يحمل لواء القوم فينصح لهم وهو الخبير المجرب :
اسمع وصاة من شرب المر بالهول
وقاسى ويلات زمانه وتجرع كدرها ص 38
و ايضا :
اسمع وصاتى يا عبد يوم ما بوصيك
اسمعها تسمعك فى يومن عبوسى
اوصيك بتقوى الله حطيها بين
عينيك
التقوى ترفع من الشأن و تعز بيها النفوسى ص 60
ويزين لهم الطريق للعز :
أمشى دروب العز لو أنهى تطول
وحاذر درب النذالة وحاذر... صخرها ص 40
ويحذرهم من ترك العادات الأصيلة :
ومن ترك عاداتنا ذاك خليه عقله
ظعيفن ما يرافق حشيمين
ويبين لهم أهمية اختيار الرفيق:
والنذل لا تصاحبه لو من الذهب يعطيك
صحبته ما
تجيب غير البلاء النحوسى
صاحب كريم
الاصل بطيبه يداويك
و يجتر ذكرياته ويلوم قلبه :
لقلبى حبيبن غيابه طويل
شقانى
ببعده وقلبى ضعيف ص 11
وذلك لأن :
حبيب القلب حظه طاح دونى
وليلى من همومى طاح
دمعه ص 62
وهو فى الحب يشبه المحبوب بالصورة القديمة للشاعر العربى
و يا ظبى الحزوم ان كنت بايع سلام
الله ياظبى .. العدامة
البدوى و الونه :
الونه عند البدوى : هى اللحظة التى يخلو فيها بنفسه يستذكر ما مر به و ما
ينتظره و يعبر عنها شعرا فى لحظة التنوير ومن ثم فهى أصدق تعبيرا عن حاله :
ألا يا ونتى ونه
سجينى غريب الدار تشقينى سنينى
ألا يا ونتى ونه
جريحى جروحه منها حالة ثخينى 44
وايضا : يا ونتى ونيتها من لوهيب
قلبى على جمر الغذا يكتوى به ص42
يا ونتى ونيتها و البال مشغول
والعين كل
ليله دايم سهرها
اجادل القلب ... واغلظ له
القول
وارده عن ادروبن كثيرة وعرها ص 38
واخيرا لم أجد ذكرا للإبل إلا فى نذر يسير من مطلع قصيدة فى حين
يقول العرب عن الإبل أنها إن سارت أسرعت وأبعَدَت و إن حَمَلت أثقلت و إن نُحِرت
أشبَعت و إن حُلِبَت أروت
البل يداوى شوفها هم نفسيه
وعلاج للعلة وضغط الشرايين ص 9
البل : جمع بمعنى الأبل ، شوفها :النظر لها
فى النهاية
لا نملك بعد مطالعة ديوان
"أسرى مع الهاجس" إلا أن نقدم
تحية واجبة للشاعر محمد عبد الكريم الدلح ر على حلاوة اللغة و سهولتها فى أغلب
الديوان وحداثة الصورة الشعرية رغم أصالة الموضوعات التى تناولها و تبقى ملاحظة أن
الشاعر دمج عنوان القصيدة مع اسم البحر الشعرى الذى يتناوله. كما اتمنى على كل من يقدم كتبا ان يصدرها بعرض
سيرته الذاتية وهو ما افتقدناه مع شاعرنا.
الديوان صادر عن النشر الإقليمي
بالهيئة العامة لقصور الثقافة فرع ثقافة جنوب سيناء للعام 2019.
خاتمة
ضى القمر أو "نور سين" باللغة الهيلوغروفية يعني ضوء القمر،
كما أنه مركب من نور أي ضوء وكلمة سين مأخوذة من طور سنين اسم الجبل فى سيناء وله معنى آخر وهو نوع زهرة برية.
وتأتى تسمية الكتاب معبرة عن محتواه متابعة نقدية لثمانية من شعراء جنوب
سيناء صدرت لهم كتب مطبوعة و يستمد الكتاب أهميته من أنه لأول مرة يتم فى مصر حسب
علمى مناقشة ديوان للشعر النبطى باعتباره مكونا اصيلا من الابداع الشعرى فى سيناء
و من ثم تقديمه للقراء فى كافة انحاء العالم الذين أظن أنهم مهتمون بهذا النوع الفريد
من الشعر.
تعليقات
إرسال تعليق