قراءة فى ديوان يقول المعانى من الشعر النبطي بقلم طارق الصاوى خلف


 قراءة فى ديوان يقول المعانى  

للشاعر الكبير الأستاذ سلام مدخل سليمان 


الشاعر الكبير والباحث السيناوى المهتم بالتراث الحافظ لقصائد شعراء بادية سيناء و مناسبة قولها الذى أصدر على نفقته ديوانا لشعر الفصحى بعنوان " الشعر عزائى ونجواى " وهو فى نفس الوقت مثقف موسوعى و مرجع حين تختلف الآراء فى نسبة قصيدة لشاعر من كبار المعاصرين أو بيت شعر للقدامى هذا المزيج الثقافى حين يقرر أن يمد المكتبة العربية بديوان شعر نبطي سنجده مختلفا فى مذاقه وسطا بين لغة البادية و الحضر يستطيع كل طرف أن يفهمه و يدرك المعانى بقليل من الجهد.

 العنوان هو الدال على مدلول واختار الشاعر اسم الديوان " يقول المعُانى " تماهيا مع الثقافة الشفاهية المعتمدة على القول باعتباره أداة التعبير عن الذات و الجماعة و يأتى السمع كوسيلة الحكم على فصاحة الشعر .

"يقول المعُانى" جملة مكونة من الفعل المضارع (يقول) بما يفيد الحال والاستقبال والفاعل (المعُانى) المشتق من الفعل (عان، يعانى، معاناة فهو معانى ) و قد أضاف لام التعريف بهدف القصر و إبراز الذاتية فالشاعر البدوى الذى يكتب تحت صهد الحر وبرد القر و ونه الليل وهى الفكرة التى تسيطر عليه فتمنعه النوم و تحرمه الراحة، لهذا فإن شاعرنا فى ديونه الذى احتوى على خمس وأربعين قصيدة شملت كل اغراض الشعر البدوى تقريبا من مدح ورثاء و وصف و نصح شكوى ونجوى صوفية واهتمام بالقضايا الوطنية والقومية ثم أتى فى نهاية الديوان حديث الجوى بابا مفتوحا على نبض الذات وعبرات الفؤاد وذكريات تقف بنا على الأطلال .

 يقول المعانى و مصادر الألم 

يختطف العنوان أبصارنا ويلوى سطور كتابتنا نحو ذاتية الشاعر إلا أننا سنمتنع من أن ننحو تجاه هذه النزاعة متجاهلين السائد فى الشعر النبطى الذى يميل لطرح القضايا الجمعية و هو بحسه القومى والإنساني يتفاعل مع مشكلة الواقع العربي بأفكار تتعاقب على عقله . 

افكار جن ف الرأس يتعاقبنّه منهن ما ذاقت النوم عينى

بلاد العرب صارت مجنّة واطفال تحت الخرايب دفينى

واللى شرد موج البحر يتقاذفنه ما يدرى امتين ترسى السفينى

(جن / أتت – يتعاقبنه/ يتوالين عليه – مجنة / قبور - امتين / متى )

صورة قاسية لواقع يعتصر بمرارة القلوب لمنظر أطفال تحفل بهم الشاشات تحت الخرائب دفنوا، آخرون يهربون للهجرة و يحذر أن بذرة الأمل ( الأطفال) تتناوشها الأخطار مع ذويهم الفارين من وطنهم نحو غرب لا يرحب بها 

وبلادهم صارت ميتّم اطفال وكل ن على الغرب عاقد ن نيته

لا يكتفى الشاعر بوضع أعيننا على المأسى التى تعيشها الأمة والتى لا تقف عند المشردين فى الداخل والراحلين للجوء فى الخارج ولا يدرى على أى بر ترسو السفينة بل يناشد أهل الربع أن يحافظوا على الراية يمسكوها بقوة حتى لا تهتز يالربع لاتخلوا راية العرب تنهز ونصير زى السارح ف بلادن محيلة

البلاد المحيلة هى القفر أو التى حلت بها الذئاب والضباع و لاشك أن كثرة القول بدون فعل هو علة الحال وبداية لسوء المأل و كما قال الشاعر القديم "الكل يدعى وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك" فجميعنا نكتب على القدس و يرد علينا الشاعر الخبير بالحياة و القضية 

الكل قاعد يكتب عن القدس رد القدس ماهو قول وكتابة

ياما بلاد ضاعت قبلها الامس واحنا زى حملان وسط الذيابة

يدعو العرب للفعل، يحذر من مخالفة نصيحته حتى لا يصير العربى فيها كما قال المتنبى في قصيدة "مغانى الشعب " ، "لكن الفتى العربى فيها غريب الوجه واليد واللسان " وهو ينكر التحول لمناخ أدى إلى تبدل الأرض وما عليها من كائنات  

تبدلت غزلانها يا خوى بقرود ودار الزمان و للزمان دورات

هيهات يرجع اللى كان موجود وما ينفعك يا خوى قول هيهات

إن مما يصدع الكبد و يدخل الأنسان دوامات المعاناة الحنين إلى ماضى هو دوما لدى الشعراء أفضل من الحاضر الذى تحولت فيه الغزلان الجميلة الرقيقة إلى قرود ولا يجدى مع المعُانى قول "هيهات" لقد صار المقعد الذى تجتمع فيه القبيلة للسمر و مناقشة القضايا التى تهمهم تخيم عليه حالة صمت و ليس به سوالف/ أحاديث مفيدة .

ف المقعد ما تسمع سوالف مفيدة

غير ولدنة مكبسين ع الشاشات

كل منهم ،، الاى فون ،، ف ايده

ليل ونهار يرسوا ،، كومنتات

إنها شكوى معتادة و معادة من الآباء و ذويى الرأى من الحضارة تبلع القيم الأصيلة وقد وصلت لأشد الأماكن محافظة وهى الوديان حيث يتربع (ولدنه / أولادنا) أمام الشاشات وفى أيديهم الاى فون (يرسوا /يرسلوا) تعليقا

تيتبع  بأذن الله بباقى القراءة 


#طارق_الصاوى_خلف

.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏