قراءة فى قصة "هارب من الطفولة طارق الصاوى خلف
قراءة فى قصة "هارب من الطفولة"
لرعد الأمارة العراق
بقلم طارق الصاوى خلف
يقول أمل دنقل فى قصيدته الخالدة " إنك إن مت فللبيت رب/ وللطفل أب"
تلك معادلة الحياة و هذا هو جرح العراق النازف لشعب يحب الحياة وتلك قضية لا يمكن معها التحليق فى الفراغ و إدانة الواقع الذى دفع البطل ليترك المدرسة و يحمل على رأسه صينية المخبوزات ليبيعها أمامها دون أن يلج بابها .
يقول عمرو بن كلثوم "إذا بلغ الرضيع لنا فطاما تخر له الجبابر ساجدين " وقد بلغ الطفل مقام الرجولة فى موقف وضعته الجدة فيه للاختبار فاذا به يعبره باقتدار إن الظروف تصنع الأبطال، مع شروق شمس النهار نادته الجدة " تعال ياولد، اجلس هنا لتتعلّم! قطع الكيك هذه سبعةٌ وعليك أن تحضر ثمنها جميعاً!" أين يحضر الثمن ؟ّ! لا يتعجل القاص فى منحنا إجابة متوقعة بل يستمر متبعة أوامر الجدة " هذا بيض الفأر، وهذه حلوى الجمال، تبيعها بسعرٍ واحد، هل فهمت يا صغيري؟.
هل فهم الصغير أنه على أول درجة فى سلم التحولات الكبرى فى حياته؟ هزته ضحكات اخوته وابناء الجيران عندما حمل الصينية على رأسه أما الأم التى احس بأنفاسها بألمهما برجائها دون أن ينظر للوراء مضى للمدرسة المختلطة دون أن يتوقف الكاتب نحو نقاط فرعية كا للقارئ مساحة للتخيل أن الطفل ربما خالطه خجل ككل الصبيان من أن تراه البنات على هذه الحالة لكن البطل نسى نفسه و لواعجه و رعشته واندمج فى طور البائع الجديد يصف الكاتب المشاعر الداخلية للطفل " تقدّم أحدهم، طفلٌ بثيابٍ نظيفة، أشار لواحدة، لكنّه لم يلمسها، أخبرته عن ثمنها بصوتٍ منخفضٍ وقد تضرّج وجهي، كدت أرقص فرحاً؛ لقد دسّ يده ونقدني الثمّن! ارتبكت قليلاً، ظلّ ينتظر قطعته فيما أخذ بعض الصّبية يضحكون. تداركت الوضع، حملتها بسكّرها بعد أن دسست تحتها قطعة ورقٍ بيضاء، ومددت يدي المرتعشة" لقد فهم البائع الجديد دوره فى تقديم بضاعته لأول زبون "طفلٌ بثيابٍ نظيفة" لعلها مقارنة غير مرئية بين حال البائع والمشترى لكن الكاتب يمحو الفكرة من ذهن القارئ فور "أخذ الفضول يلّون ملامح الأطفال. الآخرون، كانوا يحدّقون بالطّفل ذي الثّياب المرتّبة. " تتغير نظرة الطفل لنفسه بمقدار تغير نظرة الآخرين وقد منحته بعضا من الثقة خاصة أنه نجح فى بيع بضاعته "قبل رنين الجرس كانت الصّينيّة قد فرغت إلا من بعض الفتات الذي أصبح وليمةً مجانيّةً للذّباب العنيد"
يقول الشاعر
أذا مات منا سيد قام سيد قؤول بأقوال الكرام فعول
لقد وجد الاشقاء الذى لم يوضح الكاتب سبب غياب عائلهم يه الأب والسند والوعد بحياة آمنة لهذا نرى ضحكهم عليه فى بداية النهار يتحول لانبهار " حمل واحدٌ من إخوتي الخرقة عني، فيما سار أمامنا باقي أشقّائي وهم يتناوبون على حمل الصّينيّة والتّطويح بها. كانوا سعداء، وقد كفّوا فجأةً عن الضّحك من منظري، لكني كنت أكثر سعادةً منهم."
يعود الأشقاء للبيت فرحين منتصرين " سبقني إخوتي في الدّخول وهم يهلّلون. تركت أمي أشغال الدّار، وبخطواتٍ مسرعةٍ احتضنتني من الخلف وراحت تشمّني وتنحب!" لعل بكاء الأم كان فرحا أو ألم لأنها انتزعت ابنها من طفولته لكن الجدة صانعة الحدث نهرتها بنظرتها .
أحسن الكاتب وأجاد فى وصف التحول الذى طرأ على شخصية الطفل وجعله مثل واحدا ممن يشقون فى الحياة ويسرقون وقتا لراحة الجسد المكدود " وجدت نفسي أغفو فجأةً فيما دارت ذراعي حول الطّبق الذي ضمّ قطعة الكيك." قطعة الكيك الذى جعلتها جدته حافز ومكافأة إذا باع ما انتجته لكنه وقد شب عن الطوق وارتقى لذروة الرجولة تحتمى أمه به وتمطره بقبلات حنانها وامتنانها يؤثر إخوته على نفسه تقبل أمه هديته سعيدة منشرحة " وضعته بين إخوتي ، قالت بصوت غلبت عليه نبرة البكاء:
_ هذه لكم، قسّموها بينكم.
أدارت وجهها الغارق بالدّمع صوبي وأكملت:
_ يقول أنّه رجل البيت الآن.
لقد اختار الكاتب الرائع رعد الإمارة أن يكون القصة بصوت الرواى الذى هو بطلها لكى تكون أقرب للقارئ ةأكثر حميمية عند التعبير عن الذات واختار الخط الزمنى المتصاعد والشخصية النامية .
وفى خلفية ذهن الكاتب قصة سيدنا يوسف وتكرار ذكر الذياب / الطير الذى يأكل من على الصينية فوق رأس الطفل وأخوته الذين كادوا له حتى علموا أنه على خزائن أملهم تغيرت معاملتهم وتعاملهم معه لكنه مع هذا التصور لدى وهذا أمر طبيعى فى ثقافتنا قد حافظ على واقعية القصة .
تعليقات
إرسال تعليق