عكس اتجاه السير مجموعة قصصية للأديب/ على عيسى بقلم طارق الصاوى خلف

     عكس اتجاه السير

مجموعة قصصية للأديب/ على عيسى 

                     طارق الصاوى خلف 

تصدير 

القراءة الواعية للإبداع تعطى الفرصة للتعرف على ماهية الكاتب.

"عكس اتجاه السير"  بين  المهنة و السرد

يعمل الأديب القاص  على عيسى مذيعا و مشرفا على البرامج الدينية بإذاعة طور سيناء لهذا أرى دائما أن للعمل أثرا فى الإبداع يظهر جليا في  القضايا التى يتناولها و أسلوب العرض و قد نظمت في نادى الدب بالطور  ندوة ساخنة أو مواجهة استمرت لساعات فى المقارنة بين القصة الصحفية و القصة الأدبية رغم أن كلاهما يعتمدان على السرد و ربما يستخدم  الصحفى تقنيات التقطيع و البداية بالعقدة لإثارة انتباه القارئ و استدرار تفاعله مع المضمون .

نستطيع أن نستخلص شواهد من  مجموعة " عكس اتجاه السير" لتأثير المهنة على الأبداع و هى  ملامح تبدو  واضحة أراها في أسلوب الكتابة المعتمد على ترتيب الأفكار طبقا للخريطة الذهنية  حيث تتكون كل قصة من مقدمة و وسط  و خاتمة  وأن لكل عمل رسالة مدمجة مع النص يرسلها الكاتب إلى المتلقى كما أن  الروح الإنسانية السارية في المجموعة هى من الخصائص الأساسية للقصة الصحفية التى انتقلت تلقائيا لمجال الإعلام المسموع والمرئى  .

نراه يقدم في قصصه الثلاث والعشرين سردا  يركز فيه على الحكاية دون أن يقدم تفسيرا للأحداث فالمسكوت عنه فى أغلب قصصه أكثر مما يُروى وهو يقدم الأحداث بضمير الغائب والراوى هو الشاهد الأمين الذى يلتزم بالواقع وهذه سمة من سمات القصة في الإعلام  تعرض الواقع مغلفا بالتعاطف و قليل من الخيال  حفاظا على المصداقية.

ونلاحظ أن كاتبنا  في مجموعة  " عكس اتجاه السير" حافظ على نهجه في المجموعة السابقة والتزم بالكتابة الواقعية ولم يغادرها أو بغزلها بالعجائبية إلا فى قصة " و أصبح وحيدا " فالمرأة مدت يدها شفقة لتحمل ابنها الباكى من مهده بالطابق الثانى و لطول يدها كناية شعبية عن السرقة .

"مدت يدها إلى أعلى، ومن الطابق الثاني أمسكت به وجذبته إلى صدرها"... ص 48

و لأنه الأديب على عيسى المشرف على البرامج الدينية بإذاعة جنوب سيناء فنجد قصصه تتضمن آيات قرآنية أجاد توظيفها ضمن النصوص حتى أنها أقنعت فضولنا بعد السؤال عن الشحات بطل قصة" عكس اتجاه السير" الذى ورث عمه في السير للخلف و وجهه شاخص للأمام " سأل محمد والده العمدة البكري عما حدث لشحات، أجابه العمدة البكرى:} لاَ تَسأَلُوا  عن  أشيَاء إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم { ص 46

و فى قصة "فقدت صديقا " يردد  المريض على فراش الاحتضار من الذكر الحكيم   " بصوت يكاد يسمع : "-بسم الله الرحمن الرحيم . يَومَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ إِلَّا من أَتَى الله  بِقَلبٍ سَلِيمٍ") ص17 

يمتاز العمل الإعلامى بحياد في العرض و الالتزام في  نقل الحقيقية وهكذا أتت جل قصص المجموعة تجنب الكاتب وصم شخصياته أو إدانتها و فوض الحكم عليها لذائقة القارئ  كما فى قصة "بنات جاد الله"

قبضت الشرطة على الأب " جاد الله "وذهبت به إلى السجن فى جريمة لم يحددها  الكاتب تاركا لنا أن نستشفها من خلال متابعة الحكاية 

" مرت السنون خرج من سجنه، وجد بناته في أحسن حال، يذهبن إلى المدرسة، ثم يعملن في المساء هكذا كان الأمر.."ص 25


يموت الأب و تفتح البنت الصغرى محلا للملابس لكن "تم القبض على الابنة الصغرى، وأودعوها السجن.."  ص 26

 ويختتم القصة بجملة شهيرة  للعبرة محكما رباط الحبكة القصصية  كأنه يختتم حلقة إذاعية 

" ما يفعله الآباء يجنيه الأبناء! " ص 26

اقتناص اللقطة من سمات  الأعلامى الناجح وهذا سر تميز  قصة" خضر"  البطل والإنسان المسالم الذى كنت أراه يوميا يسير يدخن سيجارته فى شارع المنشية بطور سيناء و الكل يحدثنا أنه فدائى أسرته قوات الاحتلال وزجت به للمعتقل و أعادته بلا ذاكرة.

حملت القصة  جينات القصة الإعلامية لكن كاتبها أضاف بلمسته السحرية ومهارته الفنية بعدا يشد الانتباه لمشهد فقده الوعى أثناء مشاركة " خضر" فى  احتفال لأهله " وسط أنغام السمسمية أحس خضر بوعكة شديدة ودوار، حاول أن يلملم شتات نفسه، ويستنهض نفسه؛ ليقف ويطلب الإذن بالانصراف ، إلا أنه لم يستطع، وقع على الأرض مغشيا عليه، نقلوه إلى المستشفى ، غاب عن الوعي ودخل في غيبوبة"  ص 65 

"عكس اتجاه السير"  قصص من الحياة 

ما يميز الكاتب على عيسى فى مجموعته الجديدة أنه يروى من ذاكرته السمعية و البصرية و استطيع أن أزعم أنه يتماس مع الأبطال فى الحقيقية و الواقع و لم يغفل قصص من عاشوا على  هامش المجتمع بل احيا بكتابته ذكرهم و اثبت فى المجتمع وجودهم  .

و لأننا نعيش على أرض سيناء المقدسة فلابد أن تنطبع قسماتها على ملامح الكتابة الإبداعية بذكر الأماكن و ربطها مع الحدث فنجد بطل قصة "بركاتك شيخ بختان" يصر على السفر لمدينة شرم الشيخ  ويتعاطف معه الأتوبيس فلا يدور إلا عندما يسمح له السائق بالصعود تنطلق الحافلة و يهبط  منها  بمدينة شرم الشيخ فيلتقى بأحد  أبناء قريته الذى يستضيفه في منزله  تحل بركة الرجل على بيت اتسع له حتى إذا  قضى "بختان"  وطره عاد إلى قريته و" بعد فترة قليلة مات" ص38

يعيش فى المجتمع من تيمة بختان الكثير رغم الاختلاف فى المصير لكن الكاتب يحيلنا للربط  الظالم فى  المخيلة الشعبية بين هؤلاء الطيبون  و الظنون بوجود علاقات آثمة كمبرر لمن يقوم بإيذائهم كما أودت   بحياة  "جحور" شبهه بعقل الزوج  المريض دفع حجور ثمنها  "مراتي حامل؟!"  كررها عدة مرات... بعد أسبوع كانت المفاجأة، وجدوا جثة جَحور مقطوعة الخصيتين، ومعلقة في رقبته"  ص 92 

يتحول الزوج لقاتل متسلسل " بعد أسبوع ماتت زوجته مسمومة" ص 93 

ولأن من قتل يقتل " وجدوه مقتولا في نفس المكان الذي قتل فيه جَحور" 93

إنه الثأر الذى تمثل في المجموعة بثلاث قصص في  أولها  " كله سلف ودين" سطر الكاتب حالة إنسانية رائعة فى لحظة شديدة القسوة بعدما أخذ ابن القتيل ثأره من القاتل، يعطف  على طفله الباكى فوق بغلته يوصله لأول الطريق لمنزله، يمسح رأس من يتمه و يعلم أنه إن عاش سيفتك به لكنها الفروسية فى لحظة الخطيئة بإزهاق روح  يخاطبه   " - في يوم من الأيام هتعرف وتحس باللى جوايا من عشرين سنة، بس ساعتها هتعزرنى.. ٤٣ص 

 ينجح القاتل ا فى قصة " خط سير" فى الإفلات من التهمة " أعد العدة، استلم خط السير، استقل سيارة النقل ."ص56

انتقم لأبيه وأخذ بثأره صرخ مبتهجا  بعد خروجه من الحبس " فعلتها.. فعلتها.. الله يرحمك يا ابويا، الآن نقيم العزاء" ص 57

لقد أفلت بفعلته من الحبس فهل ينجو من أهل القتيل حيث صار الطالب مستهدفا كما الواقع الآن أصبح أكثر قدرة على كشف أى جريمة و تقديم المتهم متلبسا بالصوت والصورة بواسطة الكاميرات المثبتة أو على الهواتف المحمولة .

استخدام الكاتب للمعادل الموضوعى عبر أمثولة من عالم الطير في قصة " لعنة الغراب " هدد الأستاذ غراب جموع الطير الذين تسببوا بقتل أحد الغربان بالسم " هذا الفضاء لن يسعني ويسعكم، ستعرفون يوما أنني لن أترك ثأري!" ص 24 

يفتل لهم حبل الكيد ويكيل لهم بنفس قدحهم" اعتلت الطيور ومرضت، وأخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى! ص 24 

 تستمر القصص مستمدة أفكارها من  قلب الحياة  النابض حين يقرر السائقون ترشيح  نائبا عنهم " اتفقوا على ترشيح فتحى السايس، أعلنوه نائبا للمستقبل، جمعوا له النقود" ص 33 

تحملوا هم الدعاية و الدعوة له لكن الرجل ظل منهمكا بعمله  و فى مفارقة طريفة فى ختام القصة  

" فى نهاية اليوم كانت المفاجأة، نجح فتحي باكتساح ، حصل على أكبر الأصوات، جاؤوا إليه يهنئوه، وضع صفارته في فمه وانشغل عنهم بتنظيم السير." 

و أخيرا  

المجموعة القصصية الثانية للأديب القاص والأعلامى على عيسى هى خطوة متقدمة فى مسيرة إبداعه وهى عامرة بقصص من طرح الحياة  تفيض بمعاناة الأنسان المتفوق فى "شجرة التوت " وينتهى به المطاف مستندا على جذعها وأيضا فى "علقة ساخنة " معاناة أصحاب  الحوالات الصفراء العائدين من العراق و افتقاد صلة الرحم فى قصة " ونسيت أنك أخى " التى تنسج على نفس المنوال معها قصة " حلاوة روح " وظلم ذوى القربى و تمسك بطلها بالحق الضائع  كأنه يحيلنا بذكاء للقضية الفلسطينية.

من  القصص الظريفة التى تتناص مع  الموروثات الشعبية قصة "أبو العينين" الذى يحسد كل من يراه حتى من استأجره .

ننتظر من الأديب على عيسى  المزيد من التجويد لأن نهر حكاياته مازال به المزيد مما لم يرويه بعد و  نتمنى عليه فى المجموعة القادمة أن يتجنب تلك العناوين المتداولة لقصصه ( علقة ساخنة – التجارة شطارة – حبيب أمه ...) 

يسمى بعض النقاد العنوان " بعتبة النص ، والدال على المدلول"  واختيار العنوان الجاذب  فى حد ذاته إبداع و لا يستحب  يكون متداولا لأنه يستدعى من عقل القارئ ذكرياته السابقة التى تشوش على مطالعته للجديد وكأنه يعيد ما سلف .

يفضل فى القصة القصيرة استخدام الجمل الفعلية لأنها تؤدى لتصعيد الحدث والانتقال من حال سكون الجملة الاسمية لديناميكية الفعل وحركية الدراما .

تبقى النهايات لأى قصة هى الحجر الذى يلقى في بحيرة عقل المتلقى الساكنة فيحركها لإعادة انتاج الحدث من خلال ترتيب عناصر النص حسب عنوان المجموعة  " عكس اتجاه السير" .


                            طارق الصاوى خلف       

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏

رسالة لرائد الخير " سامح مدحت" فى ذكراه الرابعة طارق الصاوى خلف