الشعر بين النقد والابداع طارق الصاوى خلف

   الشعر بين النقد والأبداع

            طارق الصاوى خلف 



يتربع فى رأس المبدع الحقيقى ناقد حصيف، يدعوه لمراجعة ما تجود به قريحته منذ سميت قصائد   زهير بن أبى سلمى  بالحوليات لأنه كان يصدح كل عام بقصيدة جديدة عصماء  بعد أن بقضى شهورا يجلو عوارضها، يُقيم نشاز بحور، ينسق  الأوزان، يسد ثغرات ينفذ منهم النقاد وما أكثرهم.

احساس المبدع بالتقصير والنقصان حدى بالنابغة الذبيانى أن يمتنع عن إذاعة شعره حتى بلغ من العمر أرذله أو كما قال ابن قتيبة " إنه نبغ بالشعر بعدما احتنك وهلك قبل أن يهتر" أى احتنك /بلغ سن الخيرة و يهتر/ يقصد فسد شعره لكن الشعر كما قال النابعة  فى مقصد مختلف 

وأنك كالليل الذى هو مدركى          وإن خلت أن المنتأى عنك واسع   .

وسعى الفرزدق  لعمه متسربلا فى خجله عارضا عليه أبياتا كتبها راجيا منه عدم البوح بها لأحد أن لم تعجبه استمتع الرجل بشعر الفرازدق  واقبل عليه مستبشرا قائلا: قل يا بن أخى فأنت أشعر العرب.

يثقل الناقد المتزمت على الشاعر فيحمله ما لا يلزم كما  فعل المعرى الشاعر الموسوعى الثقافة ليكتب اللزوميات ليعجز معاصريه عن مجاراته واختار لصدر البيت  قافية و لعجزة قافية القصيدة تنتهى لفظتها بحرفين متشابهين على الأقل.

وأنى وأن كنت الأخير زمانه       لأت بما لم تستطعه الأوائل

والناقد البصير فى جوف الاصمعى ألهمه كتابة قصيدة "صوت صفير البلبل" ليكون كما ذكر الرواة اول من ينال مكافأة من الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور و لم أعثر فى مطالعاتى الكثيرة لكتب التراث على قصيدة أخرى نسبت للاصمعى وهو أحد رواة العرب .

لم ينسب شعر للسيدة سكينة بنت الحسين وهى التى احتكم الشعراء إليها لعلمها بالشعر و قواعده و قدرتها عليه  تقدير بيتين مراوغين لجميل بثينة و مكافأته  على قوله 

يقولون قاتل يا جميل بغزوة     و أى قتال دونهن أريد

لكل حديث عندهن بشاشة       وكل قتيل عندهن شهيد

أدركت ببصيرتها ما خفى فى بيتيه عن أهل عصرهما و أن باطن قوله يمتدح عترتها و يصف قتلاهم بالشهداء.

لقد كان العقاد شاعرا مطبوعا لكن عقله الناقد فرض سطوته على شعره و أثقله الفكر فخف وميض العاطفة فأتت أشعاره جذلة قوية عميقة لكنها لم تسكن وجدان القارئ رغم إصدارة عشرة دواوين من الشعر فى مراحله الأولى.

أكد د. عبد القادر القط  حضوره  كناقد يشار إليه بالبنان و أصدر  ديوانه " ذكريات شباب" عام 1959 ضمنه قصائدة كتبها فى الأربعينات من القرن الماضى ( شعر وشعراء فؤاد دوارة ص 60 ) كتب لديوانه مقدمة نقدية فى ثلاثين صفحة ليقطع الطريق على من حاولوا تناوله بمعاييرهم وفحصه  قصائده فى ضوء تجاربهم وانحيازهم لمدارسهم  الفكرية مع ارتفاع زخم الموجة  الجديدة للشعر المتحرر من الوزن والقافية فى حين حمل ديوانه شكلا تقليديا و مضمون يحوى مشاعر ذاتية ؟ 

يا فتنتى لا ترهبى الغيب الخبئ ولا دجاه

هو صنع أيدينا نكاد إذا أردنا أن نراه

لأجد فى النهاية أبلغ من العبارة الشعبية " الكثير من الملح يفسد الطعام" لذا أرى أن  الكاتب الذى يتعامل مع ابداعه وفقا للنظريات النقدية أو لسد الثغرات التى يمكن للآخرين توجيه سهام النقد عبرها يخنق روح الابداع فى شعره 

                        طارق الصاوى خلف     


  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏

رسالة لرائد الخير " سامح مدحت" فى ذكراه الرابعة طارق الصاوى خلف