قراءة فى ديوان عبرات الاسفار
قراءة فى ديوان عبرات الأسفار
للشاعر عبد الله حلمى
بقلم : طارق الصاوى خلف
تصدير
إلَى آياتِ أسْفَاري...
إلىَ دِيوانِيَ الأَوَّلْ...
إلَيكِ عَروسَ أشْعَاري...
فَفِي عَيْنِكِ ما أسألْ
عبد الله حلمى
عن الديوان والشاعر
الشاعر عبد الله حلمى من الذين اجتذبتهم الحياة فى جنوب سيناء وتنقل للعمل معلما بين وديانها واختار مدينة الطور سكنا موطنا بديلا ومن ثم سنجد شواهد من الحياة الطبيعة الخلابة فى ثنايا ديوانه حيث يذكر الجبل و الجمل وساحل البحر والوادى .
درس الشاعر فى كلية الاداب قسم قسم اللغة العربية ومن ثم بدأ فى كتابة الشعر العمودى الموزون والمقفى و كتب مدائح و غناها بصوته العذب الرقيق يكتب الشعر العمودى المقفى لكنه اختار أن يسير مع قافلة الشعراء الشباب رغم تمكنه من العروض والاوزان بحكم دراسته التى لم تتوقف عند حصوله على الليسانس بل قدم رسالة للماجستير بعنوان "الأفعال المزيدة في أحاديث صحيح البخاري القولية دراسة صرفية دلالية" و هذا يضعنا امام شاعر يمتلك ناصية الموهبة وصقلها بالمعرفة كما أنه قام بالتدقيق اللغوى لأعمال أدبية لرفاق الطريق ويفتتح ديوانه بشعره الغنائي الرائق يقدم نفسه فى ديوانه الأول بتجربة واعدة مع قصائد من الشعرالحر تخلى فيها عن الوزن و القافية و انتقى اللفظ والايقاع واستغنى بالمعنى و الصور الجزئية واستخراج كنوز الموسيقا التى تحدثها جرس الكلمات وأن أظهر بعضا من الشعر المقفى:
قبطَانُ شِعْركَ لمْ يكُنْ بحَّارا لكِنهُ ذَ اقَ الهوى تكرارا
عبرات الأسفار:
أتى كتاب العبرات للمنفلوطي ليقدم لنا دموع الرومانسية البائسة التى يتطوح مركبها فى بحر من عواصف العواطف فتفقد الطريق للمرفأ و لاتدرك المصير فى المسير فتنزف الدموع وتأتى العبرات حارة لكن شاعرنا فى ديوانه لا يقصد بذكر مفردة عبرات فى عنوان ديوانه الدموع وانما الاعتبار اى أدارك الفكرة من خلال قصائده التى أشار إليها فى مقدمته على أنها أسفار و مفردها سفر و هى نصوص من العهود القديمة تحمل مواعظ مؤثره فى الروح و من ثم فنحن مع الشاعر عبد الله حلمى ننتظر أن نجنى ثمار دوحته عبارات الأسفار من خلال ست عشرة قصيدة اتخذت من تيمة الشعر الحر فى استخدام الاسطورة و الرمز لإيصال المعنى لمتلقى يقرأ بوعيه ما بين السطور و لا تخفى فى هذا الصدد دلالة عناوين قصائده/ أسفاره بداية من مفتتح بوحه و مذهب معزوفة قيثارته " عبرات الأسفار" مرورا بعناوين:
"اعرب ما قبل التاريخ " ، "بنأ الخصم، " ، " بين ابليس وبينى " ،" يوم الزينة "، "طينة الحب" حتى نصل لمسك الختام و نهاية الكلام " السيف والكتب "
سوف نلاحظ فى مسيرتنا مع قصائد الديوان ذلك الحضور الفعال لكلمات من الذكر الحكيم كما أن روح معلم اللغة العربية لا تغادر الشاعر بل تملى عليه وجودها فى قصيدة "أعرب ما قبل التاريخ"
الْأ وَّ لُ / مبتدأ مَرفوعٌ
الثانى خبر مرفوع – الثالث حال مشرق .. فى أغنية التنصيب – الرابع نعت مجرور - الخامس بدل من عرشك بلقيس – و السادس مفعول فيه قد سرقت طينته – وذكور النحل تطارد تأ التأنيث.
يمزج الشاعر بين ما يعلمه لطلابه و ما جادت به قريحته من خيال ليربط البدل بعرش بلقيس الذى نقل من اليمن من خلال ستة سطور وخمس عشرة كلمة من قصيدة على ثلاث صفحات يقدم لنا مشهدا مغايرا.
ويستمر التلقين للمتلقى باسلوب المعلم الخبير
سحقا/ لأفعال المقاربة والرجاء ص ٤٢
اكتبْ/ في الهَوى ما شِئْتَ... ص 24
الشاعر و سيناء
فى قصيدته "وادى البيان " يفتتحها بصورة مركبة يعيها البدوى الذى يطيل النظر فى السماء ليعرف حالة الطقس من النجوم بل يتخذ قراره بالسفر او البقاء توقيا للسيل.
سيف السماء – يشق قلبا من برد
فى هذه القصيدة نجد سيناء المحفورة بقلب أبنائها تطل من خلال شواهد الجغرافيا
ودروعُ أرضِي كالجِبَالْ
علم و وادى تكسرت فيه النضال,
العلم ( الجبل ) أو هو المكان المرتفع فى الارض و الوادى المنطقة المنبسطة بين الجبال وإذا
و فى تعاطف انسانى وملاحظة رقيقة حيث عمل الكاتب معلما فى احد وديان جنوب سيناء التى تتصف بحياة قاسية يشعر بالعطف على حمار مر يعيش الحياة القاسية
وَيَقُولُ : حِمَارْ
لا يَعْرِفُ ...
أيْنَ طَريق الْعُشْبْ ؟ ص 20
كما يسجل الشاعر فى اندهاش
وجِمَالُ الْحِكْمَةِ.../ تَبْرُكُ...في مَراَتِعِها /الأغْنَامُ ...
الديوان بين العبرات والاسفار
تفيض الشعر الحر بتوليد اساطير جديدة من مأثورات قديمة مستفيدا من خطاب العاطفة والدهشة المبثوثة فى ثنايا السطور المتلاحقة التى تبدو من اول وهلة جملا مفككة متوالية دون رابط منطقى لتثير عصفا ذهنيا المتلقى يؤدى لحالة من الوعى بالقضية الغامضة التى لا يفصح عنها الشاعر
بعبرات تطل علينا هيا ازرفى/ دمع القوافي أبحرا/ كبحور اوزانى .
أنه لا يخاطب محبوبة بل فكرة تراوغه و هو واثق امتلاكها
وترجعين / دوما إلى سفرى المال
فى قصيدته قلم رمادى يبدو الشاعر للوهلة الأولى يحاور امرأة
لا تأمنن غدر النساء
تتعالى نبرة الالم لقلم تتولاه المبراة لا تتوقف عنده
تتوالى الاقلام عليها
ليخلد
ابد الدهر كتاب
فى لجة الحياة البشر اقلام والدنيا مباراة تستهلكهم و بعد أن يخطوا بانجازاتهم وخطايهم سطورا فى كتاب الدنيا الذى يغرق فيه المرء فى ابار الحيرة
وعروس الشعر/ تغوص باعماقى /ما عدت أدرى /أآسية على عرش بلقيس /أم هاجر فى خدر مريم
قدر المثقف وسط طوفان المعرفة و بين ثنايا الذات ورؤية الشاعر فى "عبرات الاسفار" التى تنتهى بنتيجة يصدرها اللشاعر لمن سيطالع أسفاره ليعيش فيها بين يأس ورجاء
يا عاشقين تمتعوا /هذى سقر. ص٧
وما ادراك ما سقر الجحيم لمن بصر ويتكرر صدى الفكرة فى قصائد الديوان
العشق /.فى الأسفار /جحيم ص ٦
الساحر يخلع/حجب النار ص١٣
تشرب من غسلين الظلم ص ٢٩
وهلاك الزهرة / فى الظلمات ٣١
وإذا رأيت النار/ تقطر من فمى / فاعلم بانى / مذ رأيتك نار ، ص ٣٧
لتستمر الحيرة مع العذاب ومعارضة رأى من سبقوا
لا السيف اصدق انباءا من الكتب الفهم اصدق فى اخبار من ذهبوا
بل إن الشاعر فى إطار التمسك بالرمز مثلما تفيض به قصائد الشعر الحر و المنثور مع معرفته بمدى الاختلاف مع الواقع وهو أمر يولد الدهشة .
انا لست يوسف / لن اقول معاذ ربى ص٩
انا لست موسى /ما سقيت لكاعب / يوما دلاء. ص ٩
و فى السفر بدون دليل فى صحراء العمر المفتوحة يعبر الشاعر عن حالة بالانا
انا تائه/فى بيداء امنيتك. ص ١٦
فى النادى تنفلت الرؤيا /ويغوص المعنى للاعماق ص 19
فاحكم داود ولاتشطط/ قد جئتك ببينة وشهيد ص ١٩
ابليس يشاطرها الفتنة
وشعر/ لهت به الشياطين العور ص ٤٧
العفاريت الخضر تخرج من أطفالها ترقص ٤٩
و اخيرا
كتب الشاعر اسمه بين أبناء جيله ووضع اساسا قويا لصعوده درجة فى إمارة الشعر التى لا يلج عتباتها غير النابهين و القابضين على عنان التجديد فى الصورة الشعرية
الديوان صادر عن النشر الإقليمى بالهيئة العامة لقصور الثقافة للعام ٢٠٢٠
طارق الصاوى خلف
تعليقات
إرسال تعليق