زوجة إبليس للقاص ياسر عامر بقلم طارق الصاوى خلف


زوجة إبليس 

الكاتب / ياسر عامر

فن السخرية وصناعة المفارقة

                              بقلم  طارق الصاوى خلف

تصدير

قليلون من يكتبون أدبا ساخرا ويبنون الحكاية للوصول إلى لحظة تكون فيها قمة السخرية هى لحظة التنوير واكتمال الحدث .

المقدمة الشافية 

لقد اغنانا الأديب والكاتب القصصى / ياسر عامر عن أي مقدمة عن الكتاب فقد كتبها بنفسه بأسلوبه الساخر كالعادة و استهلها بأن اخبرنا "قرأت مقدمات لكتاب كثيرين، منها ما اعتبرته مؤخرة وليست مقدمه" كما أنه سبق النقاد فى استجلاء حقيقة أدبه" خلطت جميع قصصى بالخيال الممزوج أحيانا والمستوحى غالبا من الواقع" وقد أصاب كبد الحقيقة فمعظم أعماله تدلل على رؤيته الفنية وأنه كاتب يخطط لأعماله ولديه وعى بماهية ما يسطره ، رغم قوله " تتقمصنى روحا لا أعرف كينونتها سوءا كانت شريرة أو طيبة تمنعنى من تغيير بعض الأحداث فى القصص " ص 6 وهذا لا يمنع من القصدية فى الكتابة فهو فى بعض قصصه شاهد عيان كما أنه يتفرد بأن يكون الراوى العليم فى السرد الذى يحيط بالشخصيات ولا يسمح لها أن تتنفس أو تحكى عن ذاتها إلا فى القصص الذى يرويها بضمير المخاطب أظن أن المقدمة هى أفضل استهلال للعمل وينهيها برسالة عاطفية ملهمة للقارئ " لكنى متأكد أننى أحبكم جميعا " ويختم " وتحياتى لكم " وتحياتنا للكاتب على ما قدم .

زوجة إبليس بين الاسم والمضمون

نحن أمام كاتب يقدم مائدة عامرة بشتى أنواع النهايات التى تفجع أبطالها تدعهم يدورون حول أنفسهم فى ذهول من المفارقة حيث يجيد الراوى التطواف بنا فى اتجاه ثم نجده يصل بنا إلى لحظة منطقية لم نفكر فيها .

و كما يقولون جميع القصص و الحكايات التى يؤلفها الرواة أبطالها رجل و امرأة يضعنا الكاتب منذ إطلالتنا على العنوان أمام جدل من هو إبليس فى قصصه القصيرة إذا افترضنا أن اسم المجموعة دال على محتواها أو قريب من الجو النفسى لها وهو ما يجب أن يكون وأظنه موجود بالفعل من خلال قصص المجموعة منها أحد عشر من العناوين الفرعية تحت عنوان "إحكى يا شهرزاد" و أربعا وعشرين قصة قصيرة وحتما سنجد فى جميع القصص وجود المرأة .

إحكى يا شهرزاد بين الواقعية والادب الساخر 

اختار الكاتب شهرزاد لما لها من شهرة واسعة مستلهما دورها حيث استعانت بحكايتها فى تعديل سلوك بعلها وهدهدة أعصاب قاتل النساء و قيادة دفة حياته بعيدا عن عادته السيئة فى الخلاص من زوجاته لأن شهريار بشخصه المعروف للجميع بالقوة والسطوة لا يصلح أن يعيش فى عصرنا و لان يعنون باسمه النصوص السردية فقد عاد للتراث واحيا لنا ذكر "على بابا" الرجل الغلبان الذى اقتحم مغارة اللصوص واستولى على الذهب والياقوت والمرجان و تغلب بفضل وفاء جاريته مرجانة على الأربعين حرامى الذين نجح فى سرقتهم من قبل والاستيلاء على كنوزهم لكن عشق لصنع المفارقة قدم لنا شخصا من زماننا وعلق فى عنقه كل المآسي وتركه يتصرف فيها.

ففى قصة " على بابا المتين ورحلته للصين" ص 9 يطرح الكاتب بذكاء قضايا متضمنة فى النص يُلمح و لا يصرح على حالة الموظف الذى يستقيل من العمل الحكومى ليعمل مع جزار يتخذ الصلاح ستارا ويكتشف فى عودته من رحلة عمل للصين أنه استورد لحم الحمير ليعلن الخبر على الملأ "على بابا" فتفجع زوجته مرجانه فقد أكلت طويلا من لحم الحمير.

قصة " على بابا فى مصايف الغلابة " و الفرحة التى لم تتم والنهاية المسكوت عنها والقفلة التى لها ما بعدها فى ذهن القارئ " مولاى" ص 11

فى قصة " على بابا الكبير ... و حكايته مع دكتور الحمير " يواصل نقده الاجتماعى اللاذع و يضع أصبعه على وجع آخر للمجتمع ويشرح لنا بدرجة عالية من السخرية و يربك تفكير القارئ حين يصف الطبيب " وعمل خفيف و ربطة كبيرة من الدريس كل أربع وخميس" مع أن " الطبيب بيطرى وجت له الوظيفة بدرى" لأجل هذه الفاجعة عندما أدرك شهرزاد الصباح " أمتنعت الديكة عن الصياح " ص 14 هل ارتقى الكاتب فى هذه القصة من مجرد التندر فى السرد للكوميديا السوداء؟! .

توقفت طويلا فى قصة" على بابا والمحمول " أمام المحتوى والمضمون و جمل تشبه تصوير الكاميرا ترصد ما وراء الواقع فى سرد متواصل متداخل لا يتوقف عند حد بل يأخذ عقولنا كالسيل لا يسمح لمن يسحبه فى تياره بالتأمل فى حشد من النقد الاجتماعى بداية من الموظف الذى تنتابه السعادة يوم الإجازة إلى ما يدور فى الشارع من ضوضاء و مناكفات والمواصلات وزحامها إلى الإعلانات الركيكة على الحائط حتى إذا دخل المسجد لصلاة الجمعة انفتحت عليه أصوات الرنات من كل حدب وصوت حتى "خرج مسرعا داعى الله أن يحج ويطوف " كان يمكن للحكاية أن تتوقف عند هذه الغاية لكن غواية المفارقة توقع بهاتف فى يد شهريار ، وتأتيه مكالمة من زوجته الثانية لتتغير الأحوال، تنقلب الصورة و تدعو شهرزاد مسرور " سن ياد السكاكين والسيوف وتعالى ندبح شهريار ونسلخه كما الخروف... مولاتى " ص 18

فى قصة "على بابا والعيد " طلبت منه خروفا و رحلة لشرم الشيخ لم يعترض ونزل لتحقيق رغبتها فلم يجد ما فى جيبه و استمع للنصيحة واشترى كليو من العظم وتذاكر لبلطيم وعاد لتستقبله مرجانة بالفضيحة وتطرده مرجانة قائلة " اذهب بلا رجعة يا بن بهانة " ص 22

و فى قصة "على بابا وخيبته القوية وحكايته مع المغارة الذكية " يدخلنا بشياكة فى صراع القديم والجديد ومقاومة البعض للتحديث الذى يرمز له جهاز الكمبيوتر ويصفه بالمغارة حيث دخل فى كل مناحى الحياة ويسر السبيل لكن مع انقطاع الكهرباء و تعطل الجهاز " الناس فى الشارع هاجت والحاسب يا عينى اتخرس و الكل بقى تعبان تانى " ص 26

" على بابا فى بلاد الغلابة " يخرج لشراء القرص المسحور ليشيع بطون عائلته الجائعة وبعد الزحام لأوقات طالت ينتهى الخبز من الفرن و يقف باكيا لا يجد زادا للإفطار بينما ترن شهرزاد على مسرور أن يحضر لها السحور .

القصص القصيرة 

"أنا وهى " بخبرة و صبر و ايحاءات وتلاعب بالألفاظ أخذ القارئ بعيدا لمشهد عشق لكنه فى النهاية بدون تمهيد للصدمة " أيقنت رغبتها العارمة من نظرات عينيها وقشعريرة جسدها ودقات قلبها فسكبت كوبا من اللبن فى طبق وقدمته لها لترتوى وتطفأ لهيب أشواقها ... وهكذا قضيت ليلى مع قطتى". 

" طنط أم رجل مسلوخة " أراد الكاتب ياسر عامر أن يتكأ فى العناوين على أفكار مسبقة فى الذاكرة ليصنع منها حدثا مغايرا أو يصرف تفكيرنا عن مفارقة لا نتوقعها كما إنه يُعيدنا للطفولة عندما كان يتم تخويفنا بها لكنه يعيد رسم الواقع و يكتشف من خلال العصف الذهنى للراوى أن الجدات والأمهات هن من كنا يحكى عن أبو رجل مسلوخة و يتساءل لماذا لا توجد طنط أم رجل مسلوخة سؤال وجيه ويجتاح لإجابة ص 37

فى قصة "أحاسيس" سؤال واحد لا يتغير فى كل فقرة من فقرات القصة السابعة التى تمثل مراحل العلاقة بداية من الحب الرومانسى والخطوبة والارتباط والزواج والابناء والاستقرار وصولا لمرحلة الضعف تقول له "أنت ليه ما بتمسكش أيدى" ؟! ولكل مرحلة تبريرها حتى إذا وهنت قوتها مد يده ليسندها احست بطعم الحياة بعد دنو النهاية التى تركها كما وعدنا فى المقدمة مفتوحة " أنت ليه سبت إيدى " ص 44

فى الانطولوجيا تعبر الذات عن نفسها تطرح أسئلة الوجود فهل تخلى عنها فى كبرها ؟! هل رحل وتركها ؟! 

" وسقطت أقنعة البراءة " الحبيب المفتقد والمنتظر الذى ينتشلها من أزمتها مع زوجها يظهر لها فى ليلة صيف وقد خرجت غاضبة من بيتها لأن زوجها لا يهتم بالتهديدات التى تصلها من مجهول يتوعدها أنه لن يتركها و تكتشف بعد مغامرة أنه حبيبها السابق يخرج ما فى صدره " حاولت الحصول منك على شئ لمسة أو قبلة أو بعض النقود " ص 64 

لعله يقول لنا أن الحاضر بما فيه أفضل من العيش فى أوهام الماضى.

" زوجة إبليس " بنفس المنطق الذى تسير عليه الأحداث أتت بنفس الوتيرة القصة فقد شرح لنا فى البداية الخديعة التى تزوج بها من أحب جمالها وهو يعلم بارتباطها العاطفى مع زميل لها فى الجامعة فما كان منه سوى قناع أهلها بجلوسها فى البيت و قبلته خطيبا وكان ممكن أن تتوقف الحكاية عند خضوعها لقدرها واستكانتها لحياتها الجديدة لكنه ولج بنا لقضية شائكة وهى العلاقة بين الإنس والجن و كيف أن زوجته تعرضت لاعتداء جسدى من ابليس جعلها تنفر من زوجها وتطوع المعالج الروحانى بعلاجها .

إلا أن الحبكة غلبت والمفارقة فرضت وجهة نظرها ختمت القصة بانكشاف المستور ليكتشف أن المعالج الروحى زوج صديقتها وأنه أقنع رجلا بأن حمل زوجته استمر سنة غابها عنها .

و مع هذا فقد راوغ القارئ فى النهاية عن شخص المخدوع بطل القصة أم آخر استعان بالمعالج الروحى العصرى حسب وصفه.

ظواهر فنية فى المجموعة 

فى العنوان الفرعى أحكى يا شهرزاد 

أولا: ذكرنى الكاتب بأقوال كافكا عن المثقف العضوى الذى يرتبط بالناس ويكتب عنهم و تأتى كل القصص فى هذا القسم تحت مظلة النقد الاجتماعى البناء أو اظهار العيوب وتعريتها كوسيلة لتعديلها. 

ثانيا : هل نحن أمام مقامات مسجوعه أم قصص أتت عفو الخاطر الرأى الأول هو الأقرب فالكاتب المثقف الذى يعرف أن مقامات الحريرى سطرها كاعتراض فني راقي على سلوك الناس فى زمانه قدمت كل مقامة ظاهرة اجتماعية و قد حاول القاص أن يجمع بين القصة بصورتها الحديثة وأجواء الف ليلة وليلة و اختار الصياغة المناسبة لهذه التوليفة وقد نجح فى صياغة رسالته 

استخدام العناوين المتداولة 

مثل ( على بابا والمحمول – على بابا وحبة الغلابة – أنا وهى – طنط أم رجل مسلوخة – حريقة فى دوار العمدة – غرفة الكراكيب – المدام والكلبة – من أجل كلبها عشق كلبها – ... ألخ )

ما سيأتى ليس تبريرا لكنه تفسير لإصرار القاص على العناوين المألوفة لكن الكاتب له انجازات فى مجال الصحافة كما أن هناك استراتيجية فى التخاطب تقول لكى يصل الموضوع للمتلقى أبدأ بالمعلوم لتصل به للمجهول الذى تريده أن يعرفه رؤية ثانية ومهمة الكاتب من اللحظة الأولى للقصة يرتب لمفارقة النهاية لهذا فهو يمنحنا بالعنوان فكرة عن المدلول والمحتوى وحين نكتشف الطريق المختلف الذى مضى بنا فيه تحدث الدهشة والمتعة .

النهايات المفتوحة 

وقد كفتنا مقدمة الكاتب عن الخوص فى التحليل بشأنه.

الهنات اللغوية 

هذه ملاحظة متكررة لى عبر قراءاتى لإبداع الأصدقاء فى السرد خاصة مع الكتاب الأول حيث يهتم الكاتب بالفكرة دون اعطاء الفرصة للمراجعة والتدقيق اللغوى وربما لا تهتم بعض دور النشر أثناء المراجعة بأن تلفت نظر الكاتب لمثل هذه النقاط وأظن أن هذا مكمل لعملها و يجود انتاجها ويرفع اسهمها لدى المتعاملين معها.

أخيرا 

لقد قمنا بجولة متعجلة مع المجموعة التى قال عنها كاتبها " أبنى البكرى " و هى صادرة على نفقته الخاصة عام 2016 وله مجموعة قصصية أخرى بعنوان " حكايات العارفين فى سكك النصابين "

            طارق الصاوى خلف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏