عَيْنَاهَا الْمُسْدَلَتَانِ عَلَى أَبْطَالِ الْمَلْهَاةِ للشاعر ابراهيم صبحى بقلم طارق الصاوى خلف
عَيْنَاهَا الْمُسْدَلَتَانِ عَلَى أَبْطَالِ الْمَلْهَاةِ
مطالعة فى ديوان الشاعر/ ابراهيم صبحى المرسى
بقلم / طارق الصاوى خلف
يشتبك الشاعر ابراهيم صبحى مع القارئ من لحظة أن تمس كفه الديوان و تستطلع عيناه العنوان ليتوقف برهة ويأخذ وقتا فى التفكير بالسطر الشعرى " عَيْنَاهَا الْمُسْدَلَتَانِ عَلَى أَبْطَالِ الْمَلْهَاةِ" ويتوقف عند الجملة الخبرية و دلالتها الكاشفة للمحتوى الذى نستطيع من خلاله ربط قصائده وتجميع ما يحاول تفكيكه من خلال استخدام اشكال مختلفة لترقيم القصائد والتى أتت كبديل لعنونتها وهو أسلوب دأب الشاعر على استخدامه بصورة خجوله فى ديوانه مناظر جانبية 2007 و فعله فى ديوانه الثانى "نقوش على راحة القلب" 2016 وها هو يكتفى به فى تمييز قصائده فى الديوان الذى نضعه تحت بصيرة النقد والمطالعة .
الديوان عبارة عن دفقة شعورية واحدة يمتاز بحالة شعورية متناسقة يغلب عليها الحزن
و نستطيع من خلال عنوان الديوان أن نمسك بثلاثة خيوط تقودنا لفهم الحالة الوجدانية و النفسية و كذلك المعنى الذى أراده الشاعر .
أولا : عيناها المستدلتان كفاعل أصيل فى الديوان.
ثانيا : ابطال الملهاة
ثالثا : مصيرهم
استوقفنى قارئ للديوان بسؤال عن معنى كلمة الملهاه! ولماذا استخدمها الشاعر ؟
وها أنا أشرككم معه فى اجابتى لعلها تلقى ضوءا كاشفا عن المعنى الذى يرغب الشاعر فى توصيله للمتلقى
الملهاة أسم وجمعها ملاه .
والملَهْاَة : مسرحیة منثورة أوَ منظومة تصف معايبَ الناس ورذائلهَم في صور مضحكة والجمع : الملاھي وهى ضد المأساة التى تميز بها الشعر الملحمى الأغريقى واليونانى وأشهرها مأساة انتيجون لسوفكليس ونجد فى الديوان قبسا من روحها ونفسا من تجلياتها.
وقد استخدم البعض كلمة الملهاة فى نصوص جادة تعالج قضية حساسة مثل رواية ابراهيم نصر الله " ملهاة فلسطين" حيث تصل فيها الأحداث المؤسفة لدرجة لا يتحملها العاقل فتتحول الأحداث المتكررة لسخرية من النفس والآخر فتصبح ملهاة تستهلك حياة ابطالها .
أولا : "عيناها المستدلتان" كفاعل أصيل فى الديوان
كما عرفنا الملهاه بأنها مسرحية يعضد رأينا الشاعر، يؤكد أننا أمام مشهد يدور فى مسرح الحياه ص 8 عَيْنَاهَا الْمُسْدَلَتَانِ
عَلَى أَبْطَالِ الْمَلْهَاةِ/
أَعَدُّوا أَنْفُسَهُمْ لِلْعَرْضِ الْمُبْهِرِ
أَعْطَيْتُ لِبَسْمَتِهَا فِي الْحُلْمِ مِسَاحَاتٍ
هاهى عيناها المستدلتان منذ بداية الرحلة على ابطال يعدهم الشاعر لعرض مبهر و يوزع الراوى الأدوار فيعطى لبسمتها مساحات رغم أنه يصفها صـ24
و عيناها الواسعتان
أهم ممتلكاتك
مسبلتان
مسبلتان أى مغمضتان وهو يدلل مبكرا على المصير كما ان الشاعر يواصل وصف مشاعر البطل تجاه عينيها يتابعهما فى حالة سكر
وَهُوَ يُرَاقِبُ عَيْنَيْهَا مَخْمُورًا
، يَغْرِقُ فِي بَهْجَتِهَا
لا بل أنه يصبح مهددا بفعل الغرق فيهما
مهدَّدًا بالغرق في عينيها العميقتين
و موغلًا في الصمت
لكنها تغلق عينيها لتنقذه ويظل حلمه عصفورا
وَ تُسْبِلُ عَيْنَيْهَا فِي مُوَاجَهَةِ الْبَابِ
وَ يَبْقَى حُلْمُهُ الْوَاقِفُ عَلَى كَتِفِهَا عُصْفُورًا
إذا اشارت عيناها يصفق الرسام الكهل فرحا لنفسه
يصفق لنفسه كلما أشارت بعينيها
تنقل الشاعر فى وصف العينين من استخدام الكلمة نكرة (عيناها أو عينيها )إلى مخاطبتها مظهرا حميمية العلاقة بجزء من كل على اعتبار ان العين باب القلب و احدى تجليات الروح .
عيناك أقبلتا واحتين في صحراء الروح
وهى ممتزجة بالطبيعة مثل البحر و كما قال احد الفلاسفة أن الانسان لا ينزل البحر مرتين فكذلك نجد العينان
لا يتكرر البحر /
كما أن عيناك لا تتكرران
ولانهما سر عشقه فهو على استعداد أن يهبهما جوهرة حياته
أقدم روحي لعينيك لو اذرفت
ونلاحظ أن الشاعر لم يستخدم لفظة (العينين أو العينان ) معرفتين فى أى من قصائد الديوان و نظرا لقصدية الكتابة عند الشاعر و لوعيه فى الشكل البنائى للديوان أثر أن يستخدم تقنية الخطاب و الكلمة مجردة من الالف واللام لأضفاء الحميمية كما ان التعريف يقلل من قيمة المعرف أما التنكير فأنه يوحي بشدة محبته و فرط الولع بجمالهما فيخشى عليهما الحسد
قالوا : لعل عيون الجميلة
تطفئها نفثة من حسود ،
لقد لعبت عينيها المستدلتان دورا مهما فى الحدث الدرامى المتنامى فى هذا الديوان من خلال الأفعال التى حرص الشاعر على ربطها بالعينين تُسْبِلُ عَيْنَيْهَ- أشارت بعينيها - لامستها عيوني - يغمض عينيه- أغمض عينيَّ - أقدم روحي لعينيك - تبدو عيون الحبيبة- أرخي جفونك
ونلاحظ من جملة الافعال السابقة حالة العينين المغمضة على ذكرياتها
ثانيا : ابطال الملهاة
مثل الملاحم الاغريقية والأساطير نجد مربعا أضلاعه ( الأبطال صناع الحدث - الراوى العليم المكفوف البصر يسرد ماجرى- قدر يوصل الأبطال للمأساة – نبوءة تتحكم فى مصير الرواى)
فى ديوان شاعرنا ابراهيم صبحى يفتتح الراوى باب الحكاية ببداية ساكنة .
لَمْ يَتَغَيَّرْ شَيْءٌ بَعْدُ
الْقِطَارَاتُ كَمَا هِيَ
وَ أَنْتَ فِي حَالَةِ انْتِظَارٍ
و يفضى الانتظار للحركة حتى يصل بنا الراوى ينزل ستار نهاية الملهاة الفاجعة لابطالها الموجعة لمتابعى أحداثها .
هل تتأمل ؟
متكأ الركبتين مريح ،
يزيح الستار عن الصخب المستفز ،
و يضفي مساحات صمت
تسد الفراغات في جدر الروح.
وبين البدايات والمنتهى نرى الحدث المتصاعد لقصة حب استمرت عقدين كاملين يمنحنا الشاعر فى مطلع كل سطر شعرى لقطة لتكتمل الصورة عبر صفحات الديوان التى تخطت مائة صفحة وتتحدث عن مسيرة عقدين .
وَ قَصَائِدَ
تُعِيدُنِي عِشْرِينَ عَامًا
تؤكد بطلة الحدث المحبوبة ،صاحبة العينين المسدلتين على الأبطال الآخرين على المدى الزمنى
أقبلت
بعد ما يدنو من عقدين كاملين
تطلب القصائد ،
ومن ثم نستطيع حصر ابطال الملهاة بثلاثة أشخاص لهم أصوات شعرية واضحة نستطيع تميز كل منهم عبر لغته و سمته فالراوى ينطق - بجمل خبرية توضح الحالة الوجدانية للثنائى الذكر/ الانثى ، العاشق / المعشوق
هي غالبًا تحبك
و أنت تنتبه لشيء واحد
أنك تحبها
كما يخاطب البطلين ويعبر عن مكنوناتهما ومخاوفهما معا
هي /
روحك التي تخشى فقدها
و أنت/
عقلها الذي يصون أنوثتها
للبحر
ونجد المحب يتحدث عن معشوقته بجمل فعلية وهى تقنية سردية لإحداث نقله درامية فالأفعال المضارعة تدل على الحال و الماضية تشى بالحنين
أَفْسَحْتُ طَرِيقًا لِشَقَاوَتِهَا/ وَ شَقَاوَتُهَا سِرُّ شَقَائِي ، وَ أَشَارَتْ : هَيَّا/وَ لِقُبْلَتِهَا فِي الرُّوحِ مَذَاقٌ ،
تَتَّكِئُ عَلَى قَلْبِي اللَّيِّنِ مِثْل وَسَادَة ، تَأْخُذُ رُوحَكَ فِي الصُّعُودِ عَبْرَ دَرَجِ السُّلَّمِ ، أصبحت ترتب أوراق اللعب ، تعطر الكلمات بمعايير متقنة ، و أعدو على البحر/لست أرى غير عينيك .
وتأتى المعشوقة كصوت ثالث فى الديوان ورغم قله جملها المنطوقة على لسانها ربما لأنها رحلت مبكرا لكن الراوى و العاشق ينوبان عنها
وَقَفَ مُعْتَدِلا/
أَقِفُ عَلَى مسافة أسبوع/يومان على مقربة منك
حضورها الكبير والفاعل فى النص صوت يبرزه الراوى الممسك بخيوط الملهاة
أَدْنَى شَفَتَيْهِ لِيَقْطِفَ كَرْزَ مُحَيَّاهَا/ فَارْتَعَشَتْ/وَ سَرَتْ رَعْشَتُهَا نَارًا ..
و يصل الراوى بنا للسؤال الوجودى كتمهيد لختام قصة الحب
وَ أَيُّ الظُّرُوفِ
تُفَرِّقُ قَلْبَيْنِ مَاتَا مِنَ الْوَجْدِ ؟!
بَعْثٌ يُظَلِّلُ حُلْمَهُمَا بِاللِّقَاءِ
ثالثا : مصيرأبطال الملهاة
تتكشف ملامح الخاتمة مع العينين المسدلتين والجفن المسترخى والرحلة لبلاد يصبح العاشق طليقا من أى قيود فيبوح
وَ جَفْنَانِ أَرْخَتْهُمَا قَاصِدَةً ،/وَ رِحْلَةٌ نَظَّمَتْهَا الْأَقْدَارُ إِلَى بِلَادِ الْبَوْحِ
تدرك المعشوقة محطة الوصول من خلال شواهد للموت يلمح الشاعر عبر ايحائه بالجفن المغلق يضع المتلقى على محفة الشك فهى تخضع للعلاج والنتائج كيوم غائم لا تظهر جلية شمسه
جرعة العقار الكميائى
لا تنتهى إلى محطة واضحة
يمضى قطارها ليتوقف بمحطة اليأس.د
مخجل/أن تربح الأورام السرطانية/معركة العشق الكبير/فتقفين أمامها/كاهنة
في محراب اليأس و الانتظار
تحلق فى الافق ويبقى بعدها العاشق يطرح سؤالا مشروعا أكانت هى أنسانة من لحم ودم أم قصيدة من حروف وكلمات وموسيقا فى الحقيقة ..../يبقى يراودني حلمها و السؤال :/هي امرأة أم قصيد ؟!
دم نازف أم وريد
لحقت ليلى العامرية بقيس وذهبت لتبكيه فماتت على قبره يسير البطل على نهج مختلف يصاب بالامراض
عمر بكامله ،/لا أسمح لدمي/أن ترتفع به/نسبة السكر/إلى هذا الحد
تطوقه السعاده حين يخبره الطبيب بحرج حالته يتوجه بمشاعره نحوها حيث صارت
و لماذا يخفق القلب نحوك سعيدًا/و أنا أستقبل بشارة الطبيب
يرحل المحب بطل الملهاة راضيا بالنهاية لأنه متجه إلى الله المحى المميت
الآن/ينزلق هذا العمر/بكامله/ متجها / نحو الله
يستمر العاشق فى بث الحكاية من زاوية جديدة
للموتى حياتهم/الأجمل بكثير/و قلوبهم/الأكثر نداءً
يلحق الراوى بالعالم الافضل لتكتمل جوانب الاسطورة بتحقق النبوءة يناشدهما أن يسمحا له بمصاحبتهما
اتركاني أجلس إلى جواركما/و لا تنهر العراف/الذي مر أمام البيت/مؤكدًا موتي
بعدكما مباشرة
وبعد استهوتنى الملهاة/ المأساة فى الديوان حتى شغلتنى عن تتبع جماليات الشعر وتقنيات الكتابة و طفت خلف العنوان شغفت بإثبات ان المحتوى متطابق معه وأن الشاعر قصد كل كلمة فيه وحين نسجها سطرا فقد جعله لبنة لدفقة شعرية حققت الوحدة العضوية للديوان وهو فى الجزء الأخير من الديوان يذكرنى ببيت خالد لكثير عزة :
يهواك ما عشت الفؤاد فإن أمــــــــــــــت يتبع صداى صداك بين الأقبر
فالقصة لا تنقضى بالموت كما فهمته من الديوان حين تمدد الابطال على الثرى شرعوا فى جولة من الحياة الميتافيزيقية و أحلق في جو حجرتك ..
الروح تملؤها بهجة
و تراك صباح مساء
و تمحو دموعك
يا أيها الموت
أفسح طريقا
صدر الديوان عن النشر الأقليمى لفرع ثقافة طور سيناء للعام الحالى 2018 ومازالت لى عودة قريبة لان ما به من ظواهر لغوية وتركيبات بلاغية يستحقان المزيد من النقاش واستودع القارئ بما قاله الشاعر ابراهيم صبحى فى ديوانه
صباح الخير ،
إن الخير في عينيك
مستلق على ساحاتها الخضراء طارق الصاوى خلف
تعليقات
إرسال تعليق