معاذة العنبرية و ما فعلته بالضحية ؟. !! طارق الصاوى خلف

 معاذة العنبرية  و ما فعلته بالضحية بالضحية ؟.  !!

                                                              طارق الصاوى خلف

اجتمع رجال يتدارسون فى مسجد بالبصرة سير المدبرين و اندفع شيخ منهم فقال: لم أر من  وضع الأمور في مواضعها، وفي توفيتها غاية حقوقها، كمعاذة العنبرية.

 قالوا: وما شأن معاذة هذه؟ 

قال: أهدى إليها ابن عم لها أضحية. فرأيتها كئيبة حزينة، مفكرة مطرقة. فقلت لها: مالك يا معاذة؟ 

قالت: أنا امرأة أرملة، وليس لي من يقوم بشأنى . ولا عهد لي بتدبير لحم الأضاحي. وقد ذهب الذين كانوا يدبرونه ويقومون بحقه. وقد خفت أن يضيع بعض هذه الشاة. ولست أعرف وضع جميع أجزائها في أماكنها. وقد علمت أن الله لم يخلق فيها ولا فى غيرها شيئاً لا منفعة فيه. ولكن المرء يعجز لا محالة. 

ولست أخاف من تضييع القليل، إلا أنه يجر لتضييع الكثير.أما القرن فالوجه فيه معروف، وهو أن يجعل كالخطاف، ويسمر في جذع من جذوع السقف، فيعلق عليه كل ما خيف عليه من الفأر والنمل والحيات، وغير ذلك.

 وأما قحف الرأس واللحيان(عظام الفك) وسائر العظام، فسبيله أن يكسر بعد أن يعرق، ثم يطبخ. فما ارتفع من الدسم كان للمصباح وللإدام(الزيت) وللعصيدة، ولغير ذلك.

 ثم تؤخذ تلك العظام فيوقد بها. فلم يرى الناس وقوداً قط أصفى ولا أحسن لهباً منها. وإذا كانت كذلك فهي أسرع في القدر، لقلة ما يخالطها من الدخان.

 وأما الجلد فللصوف وجوه لا تدفع. 

وأما الفرث والبعر فحطب إذا جفف عجيب.

ثم قالت: بقي الآن علينا الانتفاع بالدم. وقد علمت أن الله عز وجل لم يحرم من الدم المسفوح إلا أكله وشربه، وأن له مواضع يجوز فيها ولا يمنع منها. وإن أنا لم أقع على علم ذلك، حتى يوضع موضع الانتفاع به، صار كية في قلبي، وقذي في عيني، وهما لا يزال يعاودني.فلم ألبث أن رأيتها قد تبسمت.

 فقلت: ينبغي أن يكون قد انفتح لك باب الرأي في الدم.

 قالت: أجل، ذكرت أن عندي قدوراً شامية جدداً. وقد زعموا أنه ليس شيء أدبغ ولا أزيد في قوتها، من التلطيخ بالدم الحار الدسم. وقد استرحت الآن، إذ وقع كل شيء موقعه! 

قال: ثم لقيتها بعد ستة أشهر، فقلت لها: كيف كان قديد تلك الشاة؟ قالت: بأبي أنت! لم يجيء وقت القديد بعد!

 لنا في الشحم والألية والجنوب والعظم المعروق وغير ذلك معاش! ولكل شيء أوان !


من كتاب البخلاء للجاحظ بتصرف

طارق الصاوى خلف 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏