شركة التعاسة نص مسرحى للاديب خيرى عبد العزيز بقلم طارق الصاوى خلف

 شركة التعاسة

نص مسرحى للاديب خيرى عبد العزيز

      طارق الصاوى خلف

تصدير

النقد الأدبي هو فن دراسة الأعمال الأدبية , دراسة تقوم على التحليل والشرح والتفسير لتذوقها تذوقا  صحيحا ، والحكم لها أو عليها بموضوعية وإنصاف.

عن الكاتب

الاديب خيرى عبد العزيز  هو اديب متحقق له اسهاماته المتميزة كما أنه مشارك بفاعلية في الحركة الادبية حيث فاز نصه المنشور شركة السعادة بالمركز الأول في مسابقة ساقية الصاوى عن المسرح  2013و قد فاز ايضا بجائزة ربيع مفتاح عن المسرح فرع ادب الطفل بمسرحية " شبيك لبيك" للعام 2020  وتم التنويه بمجموعته القصصية " شجرة العنب " في مسابقة  الشارقة للإبداع العربى 2012 واخير حصل على المركز الاول في مسابقة الهيئة العامة لقصور الثقافى عن اقليم القناة وسيناء الثقافى عن قصة "صهوة بيغاسوس" للعام 2020  فى  وهو يعمل مديرا لصيانة الكمبيوتر بهيئة الأبنية التعليمية  منطقة جنوب سينا وله أربعة كتب ادبية مطبوعة و وكتاب عن صيانة طابعات الليزر  .

مسرحية شركة التعاسة :

المكان : مكتب مدير الشركة

الزمان: وقت  العمل الدوام.

الأبطال  : آدم  مدير الشركة الحالى  حواء السكرتيرة  و مدير الشركة السابق و التالى . وان لم يذكر الكاتب سوى ثنائى الحياة ربما لأنه يقصد بهما النوع البشرى

صفات الابطال: اجاد الكاتب في رسم شخصيات الابطال من خلال الحوار حيث كشف لنا ابعادها الشكلية وايضا النفسية اضافة لذكر الحالة العائلية .

  حواء: مطلقة  فى الثلاثين من العمر و لها ابن عانى من المرض وتتهم زوجها السابق بالتسبب في مرضه نتيجة قسوته في التعامل معها  و تتصف  بمسحة من الجمال تعلو وجهها  يجذب نظر وقلب و عقل الجالس خلف المكتب الكبير ،  تبدو شخصية مترددة كثيرة البكاء و تجيد التعامل مع المديرين ايقاعهم في حبها لكنها لا تمنحهم بهذا الحب السعادة وأنما الشقاء وتطوى صفحتهم مع مغادرتهم لمقاعدهم .

آدم  : في العقد الرابع من العمر  متزوج وله أبناء و زوجة  يدعى أنه يحبها  وهى تشاركه نفس المشاعر  بل تحمل عنه عبء تربية الأبناء و الاهتمام بشئونهم  ولا يفكر في التخلى عنها وهو واقع في حب  السكرتيرة و يسعى للزواج بها ومن خلال الحوار الكاشف مع السكرتيرة نعرف  عدم وجود  مبرر مقنع للارتباط بغيرها سوى رغبته الانانية في التملك.

الحدث : صدر لنا المؤلف العقدة من البداية و  قدم لنا نصا دائريا  حيث يبدأ الحدث من خلال وصف المسرح

" يدخل حجرتها رجل يبدو عليه الاضطراب، وينتبه المدير للمشادة بينهما دونما يصله صوت ، يغادر الرجل وتشرع هى في البكاء بمرارة . ص 4

آدم : ( في تصميم ) اخبرينى ما بك . ومن ذلك الرجل الذى تسبب في دموعك ؟!

حواء: كان مديرا للشركة في و قت سابق .( تدير وجهها وتصمت ) ص٩

 نفس الموقف يتكرر مع المدير  عندما يغادر عمله  و يعود منكسرا ليدور الحوار التالى  مفسرا ما جرى مع المدير السابق .

آدم : ( بغضب عنيف ) أنت ياسيدتى معتادة على هذا الامر، أنت متمرسة فى تحطيم القلوب دونما يهتز لك جفن ، وأنت لا تستحقين حبى بل انت لا تستحقين أدنى  شفقة ألخ

حواء : ( تطرق إلى الأرض وتبكى فى صمت. ص ٥٣

----------------------------

يخرج مسرعا مسرعا ويصطدم عند المدخل بالمدير الجديد

--------------------------

المدير الجديد : من هذا الشخص ؟

حواء:( تجفف دموعها) أنه المدير السابق . ص ٥٣  

تعيد المسرحية فى النهاية انتاج نفسها مع اسدال الستارة فى ذاكرة المشاهد هذا يدفعنا للتساؤل عن هل يجوز استخدام تقنيات كتابة القصة القصيرة أو الرواية فى المسرح ! خاصة أن الكاتب استخدم فعليا القصة القصيرة جدا ودمجها ضمن أحداث المسرحية :

آدم :  (بصوت عميق متهدج) القصة الأولى بعنون سحر : ص ١٦  

و يأتى بالقصة الثانية حين يعجز آدم عن التعبير بلسانه عن مشاعره ينيب النص لكى تطالعه فيؤثر فيها .

حواء: ( بصوت ناعم ممطوط ) أقرأ !

آدم : ( يتحاشى النظر إليها ) وهذه باسم " بوح "

" صار البوح بالأنين هاتفا لحوحا، لكن جدار الصمت السميك مازال صامدا فى كبت الوجع واحالته الى همهمات ذات رنين معدنى "

حواء : ( بنفس الصوت الممطوط الناعس ) اقرأ !

آدم : (وقد تملكه الضعف الشديد) لم أعد أقدر  ص ١٧ .

إن المسرح ابو الفنون وإذا جاز فيه استخدام الشعر كوسيلة للحوار فما الذى يمنع أن يستخدم الكاتب قصة قصيرة جدا لا تزيد عن عشرين  كلمة مع وجود خصائص الكتابة لهذا النوع من السرد الصعب المراس لانه يحتاج لجماليات الكتابة من اختيار المفردة الموحية و الصورة المدهشة والمفارقة الشديدة  .

تستغل حواء فرصة ضعفه وتصر عليه لان يخضع لها ويعترف بما يضطرم فى صدره لتحوله كسابقة .

المشاهد :

تتكون المسرحية من خمس مشاهد يتم فيها التصعيد التراتبى مع وجود خط زمنى مستقيم لا يرتد إلى الخلف أو يتم استبطان ذاتى لطرفى المشهد لاخراج المكنونات لكنه يفضل استخدام الديلوج عن المنولوج .

المشهد الأول

حيث تعرض القضية على الجمهور

حواء : سأحدثك عن مأساتى الكبرى ، والذكريات المؤلمة التى لا تبرح ذهنى و تهاجمنى ليل نهار.  ص ١٠

تستدرج عطفه وتبتز مشاعره

حواء : لقد ولدت يتيمة الاب ، وحيدة بلا أخ أو أخت، وعندما طرق باب قلبى الغض ظننته الشهم اليتيم الذى يعوضنى عن وحدتى ويتمى.  ص ١١

بالطبع فإنها ستجد من يستمع لها يقول فى نفسه أنا لها أنا لها .

حواء : لم أعد جوهرة كما كنت فيما مضى . ص ١٢

تزيد الضغط عليه مع نهاية المشهد الأول

حواء:  (تطرق إلى الأرض) أنا  البؤس مجسم يمشى على الارض ،ليت الموت يأخذنى واستريح. ص ١٣

المشهد الثانى :

حواء تؤكد تخصصها فى اغواء مديرى الشركة السابقين حين تدخل على آدم منشرحة ويسألها عن الشخص فتجيبه

حواء : (يلتمع شبح ابتسامة على شفتيها ) أنه المدير السابق للشركة . ص ١٣

انه مشهد الاعتراف والاقرار من آدم بحبه لحواء وهى تلتقط الخيط من لحظة توتره وضيقه وهى تتحدث عن المدير السابق له كأنه تذكره ان الكرسى لن يدوم و ان وجهها  الصبوح لن يستقيم له رغم دعوتها الغير بريئة .

حواء :( بصوت مضطرم بالرقة ) صدرى ملك يمينك لتفضفض إليه ما تشاء . ص ١٤

ادهشتنى عبارة ملك اليمين فى هذه الجملة وهى التى توحى وتشى بشكل من اشكال التبعية من المرأة للرجل حيث تعطيه كل الحقوق دون أن يكون عليه واجبا تجاهها سوى المودة كذلك فانها تعنى أنها تخصص صدرها له وحده فى استيعاب همومه وايضا يوصف القريب من الشخص انه عن يمينه. تدفعه حواء   بعد أن يقرأ لها القصة الثالثة  بعنوان "خوف "  ص ١٧  ان يقر لها بحبه لكنها قبل أن تمنحه الوعد تكشف له عن خبيئة نفسها

حواء : تهرب بعينيها انا قلب تعس.

حوا: انا مطلقة انا ارض اضناها العطش . ص ١٩

وتكمل أعذارها

حواء : زواجنا لن يسعد زوجتك ص ٢٠

تواصل حواء استراتيجة ترويض الرجل و تضعه فى  المقلاة ليظهر معدن حبه أو تحرقه من الالم .

حواء : تستجمع شجاعتها وتهمس يوجد آخر فى حياتى . ص ٢١

وخاتمه فى اصبعها وهو من عائلة ترفض اقترانه بمطلقة لكنها لا تفلت عصفورا فى قفصها لأخر على الشجرة

حواء :  ارجوك لا تهزأ منى أننى فى حيرة شديدة!  ص ٢٥

حواء : ليتك بلا ظروف . ص ٢٦  وتضعهما فى كفتى ميزان المقارنة .

 المشهد الثالث

تجر  حواء آدم  للمحاكمة أمام ضميره فهى لا ترفض الاقتران حتى اللحظة به لكنها تريده  أن يتحمل وحده وزر قراره أمام نفسه وعائلته .

حواء : لقد ذقت الظلم ولا اريد لغيرى أن يتجرعه .

آدم : لن أسمح بظلم زوجتى.

حواء: اقترانى بك لن يسعدها. ص 2٧

حواء : زوجتك تحبك . ص ٢٨

حواء ؛ رأيت زوجتك هى تفوقنى فى كل شئ ص ٣١

 حواء:  هى المثالية تمشى على قدمين ص ٣٢ (تقصد زوجته )

وبعد أن أقامت عليه الحجة حشرته فى الزاوية خلعت خاتم الآخر من يدها وأعطته له دليلا على انتصاره  وكسبه رهان قلبه عليها.

آدم ؛ لا غيرى فى قلبك.

حواء : لا غيرك فى قلبى . ص ٢٧

المشهد الرابع

ذهبت السكرة وأتت الفكرة و عادت خيوط الأحداث لتشتبك من جديد و نجد قصتان قصيرتان جدا يدرجهما  الكاتب فى الحوار هما عواء و عطش ويظل آدم مشتاقا لرى ظمأها وتتلجلج حواء فى ترددها تعيد تذكيره بل وتأنيبه .  

حواء:  وزوجتك و اولادك.

لانها تريده لها أو تزيد من مأزقه وهى تعلم أنه لن يهجر عشه كليا بل يريد الاستقرار و المتعة معا .

حواء : لن احتمل أن أراك قسمة  بيننا. ٤١

حواء:  أنت معذور لم تذق الظلم يوما ٤٢ص

تفتح التعاسة فرعا فى قلب آدم  المدير ويبدأ فى طرح أسئلة بلا اجابة تريح قلبه العاشق.

آدم ؛ لماذا تتلاعبين بى  ؟! ص٤٢    

آدم : لماذا لم ترفضى  حبى فى بادئ الأمر؟!

آدم: لماذا يأتيك  من سبقونى و عيونهم تقول أكثر مما تقوله ألسنتهم؟!  . ص ٤٤

تبكى حواء فتنكسر حدته وتطرح عليه اقتراحا بديلا

حواء: برجاء اريدك أخ لى   ! ص 46

حواء : ارجوك  لا أريد خسارتك أنت مختلف عن كل من عرفت من الرجال. ص ٤٦

لكنه يرفض إلا أن يكون بعلها.

 حواء: أننى أتعس امرأة على وجه الأرض .

آدم: ( يشير لقلبه ) وقد اصابنى سهم التعاسة والبؤس . ص 46

المشهد الخامس

يتكرر ما جرى فى المشهد الأول زيارة المدير السابق  (آدم ) للسكرتيرة لعتابها يدخل المدير المستجد  يتكرر نفس السيناريو السابق فى حالة كاشفة عن مثل  يقال "إن الضحية تتعامل مع ضحاياها كما تعامل معها الجانى ".

ماذا أراد الكاتب أن يقول

لقد طرح الكاتب قضية شائكة ذات بعد اجتماعى و آخر نفسى و ثالث  مهنى و الخلطة بينهما اوصلتنا للعقدة  و قدمت لنا فى الخاتمة الحل هو أن نعيد التفكير بحكمة وعقلانية فى المسرحية حتى لا نجد أنفسنا زبائن لدى شركة التعاسة .

المطلقة التى خدعها زوجها والتى تتطلب طبيعة عملها أن تكون الساعد الأيمن لأى مدير كاتمة أسراره ومديرة مكتبه ومنظمة مواعيده واحيانا الممرضة التى تهتم بتنبيهه لمواقيت أخذه العلاج مقابل ذلك تحصل قانونا على حوافز  و حين تتقن عملها يتوهم أو تشعر المدير أن حبها له هو ما يدفعها للتفانى بخدمته و ليس طبيعة عملها وفى المسرحية تلقى حواء على آدم شباكها لكنها توضح له أن حياته تسير بدونها سيرا حسنا فلديه الزوجة و الأبناء و السعادة لكنه يصر على التجربة أنه آدم الذى اقنعه الشيطان لتذوق الثمرة فنال عقابه.

إن القضية المتضمنة في هذه المسرحية هى الزواج الثانى ، إضافة للتشوهات النفسية التى تتعرض لها المرأة المطلقة ، عدم التفرقة بين طبيعة العمل والمشاعر الانسانية ، والسؤال الملح في النهاية هل حواء في المسرحية هى الدنيا التى تقبل على الشخص مع اقبال الحياة عليه وتدبر عنه مع أفول نجمة .

يبقى أن نشد على يد الكاتب الأديب على جمال اسلوبه والإمساك الواعى بالحوار المستمر بين عقدة وحال حتى وصلنا للنهاية الذكية و المسرحية الدائرية شركة السعادة صادرة عن النشر الإقلي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏