لأديب محمد الراوي سيرة و مسيرة بقلم طارق الصاوى خلف
الأديب محمد الراوي
سيرة و مسيرة
طارق الصاوي خلف
تصدير
ﻟﻜﻞ ﻣﺒﺪع ﻋﺎﻟﻤﻪ اﻟﺨﺎص الذي ﻳﻌﯿﺶ ﻓﯿﻪ و ﻳﻈﻞ ﻇﻠﻪ ﻣﻤﺘﺪا ﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ أﻓﻜﺎر ورؤى و لا ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺳﺮه وﺳﻤﺎﺗﻪ إﻻ ﺑﺎﻟﻤﻌﺎﻳﺸﺔ ﻷﻋﻤﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﺘﻤﻞ اﻟﺼﻮرة اﻛﺘﻤﺎﻻ .
وﻋﺎﻟﻢ اﻟﺮواﺋﻲ واﻟﻜﺎﺗﺐ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاوي ﻋﺎﻟﻢ ﻟﯿﺲ ﺳﻬﻼ ، ﻛﻤﺎ ﻳﺨﯿﻞ ﻷول وهلة لكل ﻣﻦ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﺑﻪ اﻟﻤﺒﺪع و يحاول أن ﻳﻠﺠﻪ ﺑﺴﺮﻋﺔ .
( حسن غريب أحمد)
ألقى الغريب عصا الترحال في حاضرة البحر، عاش في حضنها الدافئ وأبى إلا أن يمتزج بثراها، أتى العاشقون خلفه يقلدونه فلا يختارون لها بديلا ولا يريدون عنها محلا لإقامتهم تحويلا.
وﻟﺪ محمد صالح الشريف الشهير بـ ( محمد الراوي) رحمات الله ﻋﻠﯿﻪ في 22 مارس 1941 ﺑﺤﻲ اﻻرﺑﻌﯿﻦ بمدينة السويس، ﻗﻀﻲ ﻋﻤﺮه بها شاهدا عبور مصر على صهواتها الثائرة للضفة الأخرى، شحن ذاكراته ببطولات مقاومتها منذ خط قلمه الحرف الأول في ﻛُﺘﺎب ﻣﺴﺠﺪ ﺟﻠﯿﺪا ﺑﺸﺎرع ﺻﺪﻗﻲ .
أﺗﻘﻦ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻨﺤﻮ و اﻟﺼﺮف و ﺣﻔﻆ ﻣﻨﺬ ﺻﺒﺎه اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ الأﺳﺎﻃﯿﺮ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻨﺎﻗﻠﻬﺎ الأﺟﺪاد و كان يرويها لرفاقه بطريقة مشوقة وجذابة فأطلقوا عليه "العجوز" ثم منحوه لقبه المحبب ( الراوي)الذي ُﻋﺮف به ﺑﯿﻦ أقرانه وصار أسما لعلم من قمم الرواية العربية .
لم يفارق الراوي معشوقته اﻟﺴﻮﻳﺲ إلا بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة عام 1958 و ركب قطار الأمل للقاهرة، التحق بكلية التجارة جامعة عين ﺷﻤﺲ ليغادر العاصمة عام 1964 في وقت بدأت زهور موهبته في التفتح، و سجل نبض قلمه في موسوعة الحضور الأدبي و لو أراد البقاء بها لصار هرما فى مدينة الشهرة يشاطر جيل الستينات الأضواء و يحوز النصيب الأوفى من كعكة المجد، بيد أنه لبى نداء الحبيبة، سابق الطيور المهاجرة فى الحنين وعاد إلى مسقط رأسه، مستقر جسده و راحة نفسه سطر بين شوارعها ومقاهيها و ندوات مثقفيها تاريخه وخط على صفحة قناتها الرابطة بين حضارات العالم راويته وأدبه ومن قلعة السويس الشامخة كتب وأصدر وطبع عشرات الأعمال الأدبية المميزة وكان واجبا على الحياة الأدبية أن تفسح له المجال فتبنت مجلة القصة في أعدادها المتتالية نشر ما جادت به قريحته مثل :
اﻟﺤﯿﺎة ( و ) ﺳﺤﺎﺑﻪ ﺳﻮداء ( و) داﺋﺮة اﻟﺪم ( و) اﻟﻄﯿﻮر اﻟﺸﺎﺣﺒﺔ ( و ) اﻻﺗﺠﺎه ﻧﺤﻮ اﻟﻈﻞ ( و) ﺻﻮت اﻟﺼﻤﺖ ( و ) اﻟﺜﻤﺎر ( و) اﻟﻤﺴﺘﻨﻘﻊ ( و) ( ﻣﺴﺎﻓﺔ اﻟﺴﻘﻮط ( و ) إﺷﻜﺎل اﻷﺷﯿﺎء اﻟﻤﺠﻬﻮﻟﺔ ( و ) اﻟﺤﺼﺎن اﻷﺳﻮد ( و ) اﻷﺑﯿﺾ واﻷﺻﻔﺮ ( و ) اﻟﻤﻄﺮ ( و) اﻟﺸﻤﻌﺔ ( و ) زوج ﻣﻦ اﻟﺒﻂ اﻟﺒﺮى ( و ) اﻟﺴﺮﻳﺮ ( و) دﻟﯿﻞ اﻟﻠﯿﻞ ( و ) ﻛﺎﺑﻮدﺳﺘﺮﻳﺎ
و حلقت قصصه ترفرف أجنحتها الذهبية فوق دور النشر والمجلات المتخصصة من المحيط إلى الخليج فتلقفتها العديد من الصحف المجلات العربية منها اﻟﻌُﻤﺎﻧﯿﻪ واﻻﻣﺎراﺗﯿﺔ واﻟﻜﻮﻳﺘﯿﺔ واﻟﺒﺤﺮينية واﻟﺘﻮﻧﺴﯿﺔ والسورية و زينت جيد أعدادها بقلائد قصصه القصيرة منها على سبيل المثال لا الحصر " اﻟﺴﻮر – ﺳﺎرة – اﻟﺪھﻠﯿﺰ - أﺷﯿﺎء ﻟﻠﺤﺰن – اﻟﺮؤوس "
و عانقت رواياته ماكينات الطباعة و تعطر حبرها بطيب كلماته ﻣﺜﻞ : "اﻟﺤﺎﺟﺰ اﻟﺰﺟﺎﺟﻲ – اﻟﻤﺘﺮﺑﺺ – ﻓﯿﺮا اﻣﺮأة ﻛﺎﻟﻔﺮاﺷﺔ – اﻟﺮﻋﺐ – اﻟﺠﺜﺔ – اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻤﻮت – ﻟﻠﻔﺮح ﻋﻤﺮ ﻗﺼﯿﺮ – ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ اﻧﻔﺠﺮ اﻟﺒﺤﺮ – اﻟﻌﺠﻮز واﻟﺤﺐ – اﻟﻤﻨﺤﺔ اﻟﻌﻈﯿﻤﺔ– اﻟﻌﺠﻮز واﻟﺠﺒﻞ – اﻟﺸﯿﺦ ﻋﺴﺮان – اﻟﺮﺟﻞ واﻟﻔﺌﺮان زوﺟﺘﻲ – ﺣﺎرس اﻟﺒﺤﺮ – أﺟﻲ – ﺣﯿﺎﺗﻲ – زﻛﺮﻳﺎ اﻟﻤﺪھﺶ – اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻮس – راﺋﺤﺔ اﻟﺸﻬﺪاء – ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻲ وردة راﻋﯿﺔ اﻟﻐﻨﻢ – اﺣﺬر ﻓﺠﻤﺎﻟﻬﺎ أﻋﻤﻰ – اﻟﻮﺣﯿﺪ – ﻣﺄوى اﻟﺠﺴﺪ – أم راﻣﻲ– أﻛﻠﺘﻬﺎ اﻟﻔﺌﺮان "
عرف عن أديبنا ( محمد الراوي ) رحمة الله غزارة الإنتاج الأدبي و ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻄﻊ إﻧﺘﺎﺟﻪ وفى قلبه نبض وفى روحه شوق، يتلجلج صدره برغبة البوح، يطالع وجه الحبيبة فيجعل منها مادته ومن جمال ﻓﻦ أھﻞ اﻟﺴﻮﻳﺲ معزوفته، قطع على قلمه عهدا أن يخلد مأثر مدينته و أﺧﺬ ﻋﻠﻲ ﻋﺎﺗﻘﻪ اﻟﺘﺮﺣﺎل والتنقيب داﺧﻞ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ اﻟﺴﻮﻳﺴﯿﺔ ليخرج للنور روائعه التى كتبها عن السويس " اﻟﺮﺟﻞ و اﻟﻔﺌﺮان " ، " اﻟﻤﺘﺮﺑﺺ " ، " دﻟﯿﻞ اﻟﻠﯿﻞ " ، " اﻟﺤﺼﺎن اﻷﺳﻮد "،" تل القلزم "
لا يضيع جهد العاملين المخلصين للوطن و الأدب وسعت للراوى الشريف الجوائز و قبلت جبهته الأوسمة وأتت إليه شهادات التقدير مقرة بتواضعها مقابل عطائه ورأى حصاد عمله بعينيه فقرت سريرته ورضيت نفسه الوثابة للعلا
تكريم الاديب محمد الراوي في حياته:
يأتى التكريم بصور مختلفة أهمها أن يجد الكاتب من يسعى لنشر إنتاجه ومن يسابق غيره فى الاستحواذ على حق النشر بمقابل مجزى وعندما يجد وزارات الثقافة فى دول تقرر شراء نصوصه فهذا فخر يدوم وعز يُنال وهذا هو القليل الذى استطعت جمعه مما أفاض الله به على أديبنا من التكريم :
أﺻﺪر الكاتب الراحل مجموعة "اﻟﺮﻛﺾ ﺗﺤﺖ اﻟﺸﻤﺲ" ﻗﺼﺺ ﻗﺼﯿﺮة نُشرت جريدة تشرين السورية قصصا منها و اشترت منه حق نشرها وزارة الثقافة السورية وتمت طباعتها على نفقة اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب بدﻣﺸﻖ 1975
- نشُرت له فى مصر مجموعة "ﻋﺒﺮ اﻟﻠﯿﻞ ﻧﺤﻮ اﻟﻨﻬﺎر" رواﻳﺔ 1973 و أعيد نشرها فى ﺳﻠﺴﻠﺔ أدب اﻟﺤﺮب ﺑﺎﻟﻬﯿﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب 1993
- حصل عام 2009 على جائزة اتحاد الكتاب العرب وهو أكبر اعتراف بنتاجه الأدبي على مستوى الوطن العربي وتم تسليمها له فى المدينة الباسلة السويس .
- في رمضان السابق لوفاته كرمته الهيئة العامة لقصور الثقافة بإهدائه درع الهيئة لكنه لم يتمكن من حضور حفل التكريم فتوجه الي منزله السيد محافظ السويس و وفد من قيادات هيئة قصور الثقافة وتم تسليمه الهدية بين أفراد أسرته.
تكتمل دورة القمر ويتسع المجال للمقال لكن لكل بداية على الأرض نهاية والأرض الأم لا تتنازل أبدا عن جمع أبنائها، تضمهم فى طياتها وكما أختار الأديب الكبير محمد الراوى السويس ملاذا، كهفا آمنا لفنه و محلا لمولد أبداعه طوال حياة اﻣﺘﺪت إلي قرابة ﺳﺘﺔ وﺳﺒﻌﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎ وﻧﯿﻒ ﻟﻢ ﻳﻐﺎدرھﺎ إﻻ ﻗﻠﯿﻼ رغم بريق الفضة و غواية المال رﻓﺾ ﻣﺮارا الهجرة إلي اﺣﺪى اﻟﺪول اﻟﺸﻘﯿﻘﺔ .
أتاه اليقين وناداه الحق المبين جفت أقلامه و ما طويت صحفه ضمه ثرى عشقه و أرتقى للثريا راحلا إلى عالم الخلود فى دار صدق عند مليك مقتدر .
صبيحه يوم 23 فبراير عام 2018 دقت أجراس مسرح الحياة معلنة إسدال الستار عن مشهد الختام وأذننا بالفراق أديبنا اﻟﺮواﺋﻲ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاوي اﻟﻤﻄﻠﻊ اﻟﻤﺜﻘﻒ اﻟﺒﺎﻋﺚ ﻋﻠﻲ اﻟﻔﺨﺎر واﺳﻊ اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﺷﻖ لوطنه اﻟﻤﺘﻔﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺣبه .
وقف جمهور الأدب وعشاق الكلمة العذبة، الحرة احتراما لفنه و أدبه و شُيع جثمانه بحضور محبيه غاب عنا محياه و تسامت روحه للفضاء، تشع إبداعاته نورا وجمالا.
و حين اتفق أعضاء أمانة مؤتمر أدباء إقليم القناة وسيناء على عقد دورته الواحدة والعشرين في مدينة البطولة والبسالة والفداء فإنهم قرروا بصوت واحد أن يستظلوا بلوائه وان يجعلوا المؤتمر باسمه في تقدير مستحق لأديب أنهى مسيرته و بقيت سيرته عطره زاخرة بالعطاء .
طارق الصاوى خلف
تعليقات
إرسال تعليق