رواية "النور الملعون" لممدوح عبد القوى هل الحضارة نعمة ؟!طارق الصاوى خلف

من كتاب سرديات من أرض الفيروز 



رواية "النور الملعون"

لممدوح عبد القوى

هل الحضارة نعمة ؟!

 


 

تصدير

يقال أن الرواية فن حديث على منظومة الأدب العربى الذى برع مبكرا فى الشعر والنثر الأدبي و القصصى وإن كنت أختلف مع المقولة لأن إنسان ابن طفيل حى بن يقظان و رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى و الزوابع والتوابع لابن حزم الأندلسي ما هى إلا قبسات من فن الحكى وصورة لتجليات الرواية

 يجزم نقاد الأدب أن أول رواية عربية هى زينب للكاتب الكبير  محمد حسين هيكل التى جرت أحداثها فى إحدى قرى الريف قبل وصول الكهرباء .

هذه الكهرباء هى مفتاح رواية الأديب ممدوح عبد القوى الحصرى الصادرة عن النشر الإقليمى لفرع ثقافة طور سيناء سلسلة كتب الفيروز للعام 2018

بعنوان " النور الملعون، حكاية فرج بركات "

الكاتب والرواية

ممدوح الحصرى أديب يعيش فى سيناء من مواليد محافظة الغربية يعمل معلما للفيزياء بالأزهر الشريف يقيم بالطور له مجموعتين قصصيتين وهذه أول رواية يصدرها و لديه فى قصصه القصيرة من النفس الروائى ما يسر عليه خوض غمار التجربة .

أجاد الروائى ممدوح الحصرى فى اختيار المدخل لعمله و هى تقنية مهمة لجأ إليها لشد انتباه القارئ حيث غير من الترتيب الاعتيادى والمدرسى للرواية التى تأتى فيها العقدة فى المرحلة قبل الأخيرة للرواية لكنه استهل الأحداث من لحظة الانفجار الرهيب حيث تستيقظ كفر النور على أصوات مروعة و ظلام حالك و خوف يخيم على الصدور و من قمة الانفعال يشرع الكاتب فى صياغة خطوط الحكاية و هو لا يترك للقارئ فرصة التفكير فى الفاعل بل يخمنه و يسير خلف توقعه ليقدم لنا الراوى نفسه بانه حاصل على ليسانس آداب قسم تاريخ وانه يسجل سيرة من يعرفهم فى عقله و يحتفظ بملفاتهم ومنهم بطل الرواية والمتهم فرج بركات فى الواقعة الذى يشير عليه الراوى العليم بأنه الجانى.

يشرع عبر السرد  فى تبرير سلوكه المنحرف و  خروجه على المجتمع و انتقامه من محولات الكهرباء التى غُرست فى القرية منذ نهاية الستينات وبدأت التحولات الكبرى فى الريف المصرى و يعطينا الكاتب لقطة لسذاجة فلاحة -أو نكتة شاعت وقتها- ظنت أن سلك الكهرباء الواصل بين الأعمدة حبلا تنشر عليه غسيلها  قامت أم فرج بركات بلمس السلك عاريا أصابتها ارتعاشه تحورت بعد نجاتها من الصعق لحمى اورثتها لوثة  ماتت على أثرها وهى تلد إبنها فرج بركات الذى جاء للدنيا يتيما و مشوه الخلقة،  كبير الرأس  مما عرضه لسخرية الناس منه والتنمر عليه حتى تم اتهامه  اتهامه فى المرحلة الإعدادية بالتحرش فترك المدرسة   ليتعلم الكهرباء  مع معلم فاسد العقل  قاده لعالم النساء و لتنتهى الرواية بحالة تنتاب فرج بركات تدفعه ليلعن كل منجزات العصر ويصب جام غضبه على محولات الكهرباء لأنه يرى فى الظلام السكينة و يتم حل لغز البداية،  توضع الريشة على رأس فرج بركات مرتكب الجرم .

 

تقنية الرواية

اختار الكاتب أن يلتزم بالثنائية والمقابلة بين المتناقضين النور / الظلمة، لمبة الجاز  / الكهرباء، القبح/ الجمال، الفقر/ الغنى، الطهارة وحسن الخلق / الفجور

كما أن الروائى اختار أن يجمع بين اثنين من فنون  السرد و يسمعنا صوتين فى الرواية لكل منهما سماته ومنطقه حتى يظن البعض أنه قدم روايتين فى غلاف واحد بينما هى حيلة فى الكتابة تجعلنا نرى الموقف من أكثر من زاوية .

 قدم كاتبنا  فى الرواية إثنان من الرواة هما  الراوى بشر تاج و فرج بركات وهنا استطاع الأديب أن يوظف  الراوى العليم مع اعتراف  صاحب الحال بما جرى منه  من خلال استدعاء الماضى التى قام بها بشر  عبر النبش فى ذاكرته و  فتح  ملفاته القديمة .

أن رواية " النور الملعون حكاية فرج بركات :  حاول  القاص ممدوح الحصرى صياغتها فى قالب من الفلسفة ليفسر لنا عنوانها  و يكشف لنا نماذج بشرية ممن  يتمسحون بالنور أو الكهرباء لارتكاب الآثام والموبقات حتى إن مهنة فرج  التى من المفروض أن تجلب له حياة مستقرة و رزقا حلالا كانت سببا ليقع فى الهاوية وبدلا من أن تكون  الكهرباء/النور نعمة صارت نقمة عليه حين سرت من أمه وهو جنين فى بطنها فغيرت تركيبته العقلية و تسببت فى موت أمه وهى تلده و لا يعفى فرج بركات الكهرباء من ذنب انحراف  زوجة أبيه  تحولها عاهرة  دون أن يكشف لنا الراوى عن شخصيتها أو سبب قتلها تاركا للقارئ الفرصة للضم خيوط الأحداث.

لقد بدأ  الكاتب روايته بشكل مثير شد الانتباه وحين وصل لنهاية الرواية سكنت الأحداث وأصبحت تحصيل حاصل وتطوع الراوى لتقديم تبرير وتفسير لحالة الاظلام التى حلت بكفر النور فى سخرية من الاسم و قد أحسن صنعا حين ترك مصير الاسطى و ما فعل أو فُعل  به غامضا

شخصيات الرواية

أجاد الكاتب رسم شخصية البطل فرج بركات معطيا صورة فوتوغرافيه لملامحه الخارجية و اوضح تكوينه النفسى من خلال المنولوج  الداخلى او الحوار الذى يجريه فرج مع ذاته كاشفا عورات وتناقضات فى شخصيته.

اعطانا الكاتب تصورا للشخصية التالية فى الأهمية من خلال اعتبارها معكوس شخصية فرج

الشخصيات النسائية أتت  فى أغلبها ضعيفة منتهكة الحقوق  بداية من أم فرج التى ماتت عند ولادته و متهمة فى حياتها (بمخاوتها ) لجنى الكهرباء وهى  ترتجف منه بينما بقية نساء الرواية باستثناء الجدة تصل لهن الكهرباء مؤدية لهن المتعة الزائفة .

و ننتظر من كاتبنا فى المستقبل  ان رواية بها  توازن منطقى  بين مشارب النساء  دون ان يحكم عليهن  بالخطل فى الفعال .

و أخيرا

عندما نقرأ  الرواية من خلال سياقها الاجتماعى والصراع المكتوم بين نسق  يفرض نفسه من خلال النور/الكهرباء و نجد أن الحنين للماضى  الذى تمثله لمبة  الجاز و المفارقة أن تنتصر لمبة الجاز على مصباح الكهرباء فى رده حضارية لافتة .

كما أن  المهمش يدلف لصخب الحياة ويعيش فاعلا ينهش فى لحم الطبقة البرجوازية مذكرا لنا بأفلام الفنان الكبير عادل إمام .

 ومع توغلنا فى مطالعة صفحات الرواية نجد انفسنا أمام كاتب عبر على جسر القصة القصيرة ليكتب رواية  متوسطة الحجم  أظنها وأتمنى  أن تكون بداية انطلاقة جديدة فى مجال أدبى يفتح له ذراعيه مرحبا بالوافد الجديد.

                                                                               

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مطب سيناوى للشاعر رأفت يوسف بقلم طارق الصاوى خلف

قراءة فى ديوان لا تنشد المحتاج للشيخ حمدان الترابين لطارق الصاوى خلف

مطلع العام الثامن والخمسون مع وقفات فى حياتى طارق الصاوى خلف ‏